قال يحيى بن الحسن: وحدثني أبي قال: سمعت خالصة تقول للعباس ابن الفضل بن الربيع: بعث موسى الهادي إلى أمه الخيزران بأرزة فقال: اشتهيتها فأكلتها فكلي منها. قالت خالصة: فقلت: امسكي حتى ننظر فإني أخاف أن يكون فيها شيء. فأرسل إليها بعد ذلك: كيف رأيت الأرزة؟ قالت: وجدتها طيبة. فقال: لم لم تأكلي منها؟ والله لو أكلت لقد كنت استرحت منك، فما أفلح خليفة له أم! قيل: وضرب إبراهيم بن بهنك العكي ابنه فذهب الابن فوشى بأبيه إلى الرشيد وذكر أنه يريد اغتياله، فدفعه الرشيد إلى ابنه، فقيده وحبسه في بيت ودعا بأمهات أولاده فجعل يشرب معهنّ ليغيظ أباه، فاستبطأ الرشيد فدعا به وقال له: إن كذبت على أبيك استرضيناه لك وإن كنت صدقت فلست أرى أفعالك تشاكل أفعال الصادقين. فلما انصرف من عنده دخل على أبيه بالسيف فضربه حتى قتله. ولذلك قيل: شرّ المرزئة سوؤ الخلف.

قال: ولما خلع شيرويه بن كسرى أباه وهمّ بقتله قال لعظيم من عظماء مرازبته: ادخل على أبينا فاقتله. فانطلق المرزبان حتى دخل على كسرى فأخبره بما أمر به ابنه. فقال له كسرى: انصرف فلست بصاحبي. فانصرف المرزبان إلى شيرويه فأخبره بمقالة كسرى. فوجّه رجلاً آخر فلما دخل قال له مثل مقالته للأول، فانصرف ولم يصنع شيئاً واعتل على شيرويه بأنه لم يطب نفساً بقتله.

فالتفت شيرويه إلى فتىً يسمى هرمز بن مردانشاه وكان أبوه يقال له فاذوسبان بابل وخطرنية، وقد كان كسرى سأل المنجمين قبل ذلك بعامين عن ميتته فأخبروه أنها على يدي رجل يكون عظيم بابل. فلما سمع ذلك وقعت تهمته على مردانشاه فكتب إليه يأمره بالقدوم عليه. فلما قدم تجنى عليه ثم أمر بقطع يمينه، فقطعت، فتناولها بيده الأخرى ووضعها في حجره وجعل يبكي وينتحب. فسمع كسرى ذلك فرحمه ورقّ له فأرسل إليه أنه قد ندم على ما كان منه وأمره أن يسأله حاجة تكون له عوضاً من ذهاب يده. فأرسل إليه مردانشاه إن وثق لي بالأيمان المحرجة، ففعل كسرى ذلك وعاهده أن يجيبه إلى جميع ما سأل. فأرسل إليه أن حاجتي أن تأمر بقتلي فلا خير في الحياة بعد يميني. فأمر كسرى به فضربت عنقه. فلما دخل دخل ابنه هرمز على كسرى قال له: من أنت؟ قال: أنا ابن مردانشاه فاذوسبان بابل. فقال: أنت لعمري صاحبي كنت قتلت أباك ظلماً فدونك وما أمرت به. وكان معه طبرزين، فضرب به كسرى على عضده فلم يحك فيه لأن كسرى كان في عضده خرزة لا يعمل الحديد فيه من أجلها، فضرب الشاب بيده إلى عضده وقطع تلك الخرزة ثم ضربه بالطبرزين حتى مات، وانصرف إلى شيرويه فأخبره، فأمر بقتله، ثم هلك شيرويه بعد قتل أبيه بثمانية أشهر.

وقد قالت الحكماء: ومن جرّب من الأوائل أن الرجل إذا قتل أباه وأخاه لم يمتّع بعدهما إلا أربعة أشهر أو ما هو فوق ذلك بيسير وربما سلّط عليه السهر فلا يزال كذلك إلى أن يتلف.

قال: وقيل للمأمون: إن بني علي بن صالح مجّان سفهاء. فقال المأمون: يا علي أحضر ولدك الأكابر والأصاغر فإني أريد أن أرتبهم وأرشحهم للأمر الذي يصلحون له. فانصرف علي فأخبر ولده بذلك وأمرهم بالركوب. فاستعدّوا وتزينوا بأحسن هيأة واستأذن لهم فدخلوا وسلموا. فقال لهم المأمون: تركتم الأدب واطّرحتموه وآثرتم المجون والسفه، هذا وأبوكم أحد الفقهاء والعلماء يستضاء برأيه ويحمد مذهبه. فأقبل على علي فقال: أما على ذلك فما الذنب إلا لك إذ تركتهم يتتابعون في المجون وتركوا ما كان أولى بك وبهم أن تأخذهم به. فقال علي: ولا سيما يا سيدي هذا الكبير فإنه باقعةٌ لا والله ما لي بهم قوة ولا يدٌ وهذا الكبير أفسدهم وهتكهم وزين لهم سوؤ أعمالهم فصدّهم عن السبيل فهم لا يهتدون. فأطرق الأكبر ما يترمرم بحرف. فقال المأمون: تكلم. قال: يا سيدي بلساني كله أو كما يتكلم الذليل بين يدي مولاه حتى يترك حجته ويسكت عن إيضاح جوابه مهابة لسيده؟ قال: تكلم بما عندك. فقال: يا أمير المؤمنين هل حمدت رأي أبينا وحمدت مذهبه وعلمه؟ قال: نعم.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015