علي بن محمد بن سليمان الهاشمي قال: حدثني أبي عن سليمان بن عبد الله قال: وفدت على أبي العباس، فكان يدعوني في كل ليلة مقامي عنده ويعقب بين أصحابه وأهل الأقدار والأدب ومن يحضر بابه فيسامرونه، فإذا كانت الليلة التي يحضره فيها سعيد بن عمرو بن جعدة بن هبيرة المخزومي وجدّته أم هانيء بنت أبي طالب، وكانت قد كبرت سنّه وشهد عامة سلطان بني أمية، وكانت السن قد أرعشته، فقال له: يا سعيد حدّث عن بني أمية فإنك لا تزال تحدث عنهم وعن جوهرهم. فقال: يا أمير المؤمنين حضرت الجمعة ونحن مع الوليد بن يزيد فمضينا نريد الجمعة فإذا سرادق قد ضُمّت إليه سرادقات ومدت الحجر في جنبتيه ووضع المنبر وأخذ الناس يتطوعون وينتظرون الفريضة، فلما زالت الشمس أذّن المؤذن فأذنه بالصلاة، فإذا أصوات الملاهي والمعازف والمزامير مقبلة من مضربه نحونا، فما راعنا إلا به على هذا الذي يسميه اللعابون الداربازي عليه غلالة وإزار مصبوغان بالزعفران لا يواريان عورته متشح بإزار وهو متخلق في فمه مزمار حتى أشرف علينا وهو يقول: طوط طوط. وحكاه الشيخ برعشته، فضحك أبو العباس حتى استلقى على فراشه وضرب مرافقه برجليه.

محاسن الإغضاء

حُكي عن بهرام جور أنه خرج يوماً لطلب الصيد فاحتمله فرسه حتى دفع إلى راعٍ تحت شجرة وهو حاقن. فقال للراعي: احفظ عليّ عنان فرسي حتى أريق ماء. فأخذ بركابه حتى نزل وقبض على عنان الفرس، وكان عنانه ملبساً ذهباً، فوجد الراعي غفلة من بهرام فأخرج من خفه سكيناً فقطع به أطراف اللجام، فرفع بهرام رأسه فنظر إليه فاستحيا ورمى بطرفه إلى الأرض وأطال الاستبراء ليأخذ الراعي حاجته من اللجام، وجعل الراعي يفرح بإبطائه عنه حتى إذا ظن أنه قد فرغ وأخذ من اللجام حاجته قال: يا راعي قدّم إليّ فرسي فإنه سقط في عينيّ شيء. وغمض عينه لئلا يوهمه أنه يتفقد حلية اللجام، فقرب الراعي منه فرسه فركبه. فلما ولى قال له الراعي: أيها العظيم كيف آخذ إلى موضع كذا وكذا مكاناً بعيداً؟ قال بهرام: وما سؤالك عن هذا الموضع؟ قال: هناك منزلي وما وطئت هذه الناحية قط غير يومي هذا ولا أراني أعود إليه أبداً. فضحك بهرام وفطن لما أراده الراعي وقال: أنا رجل مسافر وأنا أحق بأن لا أعود إلى ما ها هنا أبداً. ثم مضى، فلما نزل عن فرسه قال لصاحب مراكبه: إن معاليق اللجام وهبتها لسائل مرّ بي فلا تتهم أحداً.

وحكي عن أنوشروان أنه قعد في يوم نيروز أو مهرجان ووضعت الموائد ودخل وجوه الناس وكسرى بحيث يراهم ولا يرونه. فلما فرغ الناس من الطعام وجاؤوا بالشراب في آنية الفضة وجامات الذهب فشرب الأساورة وأهل الطبقة العالية في آنية الذهب. فلما انصرف الناس ورفعت الموائد أخذ بعض أولئك القوم جام ذهب فأخفاه في قبائه وأنوشروان يلحظه فصرف وجهه عنه، وافتقد صاحب الشراب الجام فصاح: لا يخرجن أحد من الدار حتى يُفتش! فقال كسرى: لا يعرضنّ لأحد. وانصرف الناس. فقال صاحب الشرب: إنا قد فقدنا بعض آنية الذهب. فقال الملك: صدقت، أخذها من لا يردها ورآها من لا يخبرك بها.

وحكي عن معاوية بن أبي سفيان أنه قعد للناس في يوم عيد ووضعت الموائد وبدر الدراهم للجوائز والصلات. فجاء رجل من الجماعة فقعد على كيس فيه دنانير والناس يأكلون. فصاح به الخدم: تنحّ فليس لك هذا الموضع! فسمع معاوية وقال: دعوا الرجل يقعد حيث أحب. وأخذ الكيس وقام فلم يجسر أحد أن يدنو منه. فقال الخدم: أصلح الله الأمير! إنه قد نقص من المال كيس فيه دنانير! فقال: أنا صاحبه وهو محسوب عليّ لكم.

وأحسن من هذا ما فعله جعفر بن سليمان بن عليّ وقد عثر برجل أخذ درّة رائعة ثمينة من بين يديه فطلب بعد أيام فلم يوجد فباعها الرجل ببغداد، وقد كانت وصفت لأصحاب الجوهر فأُخذ وحمل إلى جعفر، فلما رآه وبصر به استحيا منه وقال: ألم تكن طلبت هذه الدرة مني فوهبتها؟ قال: نعم. فقال: لا تعرضوا له. فباعها الرجل بألوف الدنانير.

مساوئ الإغضاء

قال: بعث زياد إلى رجال من بني تميم وجمع العرفاء فقال: أخبروني بصلحاء كل ناحية. فأخبروه. فاختار منهم رجالاً فضمّنهم الطريق وحدّ لكل واحد منهم حداً، فكان يقول: لو ضاع بيني وبين خراسان شيء لعلمت من أخذه. وكان يدفن النباش حياً وينزع أضلاع اللصوص.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015