فقال: وكيف ونحن أطلقنا بإحساننا إليه وإنعامنا عليه لسانه فينا وسنزيده من الثواب لثنائه علينا.

قال: وأمر الرشيد جعفر بن يحيى أن يعزل أخاه الفضل بن يحيى عن الخاتم ويقبضه إليه قبضاً لطيفاً، فكتب إلى أخيه: قد رأى أمير المؤمنين أن تنقل خاتم خلافته عن يمينك إلى شمالك، فكتب إليه الفضل: ما انتقلت عني نعمة صارت إليك ولا خصتك دوني.

أحمد بن يوسف الكاتب قال: أمرني المأمون أن أكتب إلى الآفاق في الاستكثار من المصابيح في المساجد، فلم أدر كيف أكتب لأنه شيء لم أسبق إليه فأسلك طريقته ومعناه، فأتاني آت في منامي وقال لي: اكتب: فإن فيها أنساً للمجتهدين، واضاء للسائلين، ونفياً لتكامن الريب، وتنزيهاً لبيوت الله عز وجل عن وحشة الظلم. فكتب بذلك.

قال: وكتب عمرو بن مسعدة إلى المأمون في رجل من بني ضبة يستشفع إليه في زيادة في منزلته وجعل كتابته تعريضاً: أما بعد فقد استشفع بي فلان يا أمير المؤمنين لتطولك في إلحاقه بنظرائه من الخاصة فيما يرتزقون، فأعلمته أن أمير المؤمنين لم يجعلني في مراتب المستشفعين، وفي ابتدائه بذلك تعدي طاعته والسلام. فكتب إليه المأمون: قد عرفنا توطئتك له وتعريضك لنفسك وأجبناك إليهما ووافقناك عليهما.

وحدثنا عبد الله بن ميمون قال: تأخر الجاري من الرزق لإبراهيم بن إسحاق الموصلي عنه في أيام المأمون فكتب إليه: يا أمير المؤمنين ما فوق جودك في العاجلة مرتقى لآمالنا ولا إلى غير دولتك متطلع لقلوبنا فلم تتأخر الإفادات عنا ويعسر نيل المحبوب علينا. فقال المأمون: ما سمعت في التصريح والإشارة بالطلب أحسن من هذا، وأمر بإخراج فائته وبجائزة ثلاثمائة ألف درهم.

قال: وأولم المأمون على بعض ولده فكتب إليه إبراهيم بن المهدي: لولا البضاعة تقصر عن الهمة لأتعبت السابقين إلى البر وخفت صحيفتها وليس لي فيها ذكر فبعثت بالمبتدإ به ليمنه وبركته والمختوم به لنظافته وطيبه جراب ملح وجراب أشنان.

وكتب إبراهيم بن المهدي إلى صديق له بعث إليه بهدية: لو كانت التحفة على حسب ما يوجبه حقك بنا أداء حقك ولكنه على ما يخرج من حد الحشمة ويوجب الأنس، وقد بعثت إليك بكذا.

وحدثنا أبو الودغ قال: أول كتاب ورد على المأمون بالخلافة كتاب الحارث بن سباع الخراساني، فإنه كتب إليه: قد أظلنا أمير المؤمنين بخلافته تحت جناح الطمأنينة وبلغنا بها مدى الأمنية، فأدام الله له من كرامته ما يتطأمن له أقاصي وأداني رعيته وجعله أعز خليفة وجعلنا أسمع وأطوع رعيته. فقال المأمون للفضل بن سهل: أتعرف ما قيمة هذا الكلام؟ قال: نعم يا أمير المؤمنين. قال: وما هي؟ قال: تلقيك به بالسرور. فأعجبه قوله واستحسنه.

قال: وكتب عبد الله بن طاهر إلى المأمون من خراسان: بعدت داري عن أمير المؤمنين وعن ظل جناحه وعن خدمته وإن كنت حيث تصرفت لا أتفيأ إلا به وقد اشتد شوقي إلى النظر إلى رؤيته المباركة والتزين بحضور مجلسه وتلقيح عقلي بحسن رأيه، فلا شيء عندي آثر من قربه، وإن كنت في سعة من عيش وهبه الله جل ذكره لي به، فإن رأى أمير المؤمنين أن يأذن لي في المصير إلى دار السلام لأحدث عهداً بالنعم عليّ وأتهنأ بالنعمة التي أقرها لدي فعل. فأجابه المأمون: قربك إلي يا أبا العباس حبيب وأنا إليك مشتاق وإنما بعدت دارك عن أمير المؤمنين بالنظر لك والتخير لحسن العاقبة، فالزم مكانك واتبع قول الشاعر:

رأيت دنو الدار ليس بنافعي ... إذا كان ما بين القلوب بعيدا

طور بواسطة نورين ميديا © 2015