قال: وقال عمارة بن حمزة لأبي العباس وقد أمر له بجوهر نفيس: وصلك الله يا أمير المؤمنين وبرّك، فوالله لئن أردنا شكرك على إنعامك ليقصرن شكرنا عن نعمتك كما قصر الله بنا عن منزلتك.

قال: ودخل شبيب بن شيبة على المهدي فقال: يا أمير المؤمنين إن الله جل وعز حيث قسم الدنيا لم يرض لك إلا بأرفعها وأشرفها فلا ترض لنفسك من الآخرة إلا بمثل ما رضي لك من الدنيا، وأوصيك يا أمير المؤمنين بتقوى الله فإنها عليكم نزلت ومنكم قُبلت وإليكم تُردّ.

قال: وقال إبراهيم الموصلي للهادي وقد غناه صوتاً أعجبه: إن من كان محله من الانبساط وتقارب الندام محلي جرّأه البسط على الطلب وبعثته المنادمة على الرجاء، وقد نصب لي أمير المؤمنين لقربي منه مشارع الرغبة وحثّني مكان حالي عنده على الكروع في النهل من يده. فقال له: سل حاجتك شفاهاً فإني جاعل فعلي إجابتك إليه حاضراً. فسأله قيمة خمس مائة ألف درهم فأعطاه ألف ألف درهم.

قيل: ودخل إسحاق بن إبراهيم الموصلي على الرشيد فقال: كيف حالك؟ فقال:

سوامي سوام المكثرين تجملاً ... ومالي كما قد تعلمين قليل

وآمرةٍ بالبخل قلت لها اقصري ... فذلك شيءٌ ما إليه سبيل

وكيف أخاف الفقر أو أحرم الغنى ... ورأي أمير المؤمنين جميل

أرى الناس خلان الجواد ولا أرى ... بخيلاً له في العالمين خليل

فقال الرشيد: هذا والله الشعر الذي صحّت معانيه وقويت أركانه ولذّ على أفواه القائلين وأسماع السامعين، يا غلام احمل إليه خمسين ألف درهم. قال إسحاق: كيف أقبل صلتك يا أمير المؤمنين وقد مدحت شعري بأكثر مما مدحتك؟ قال الأصمعي: فعلمت أنه أصيد للدرهم مني.

قال: وقال المأمون لإبراهيم بن المهدي: شاورت في أمرك فأشاروا عليّ بقتلك. فقال: أما أن يكونوا نصحوك فيما جرت به السياسة وحكمت به الرياسة فقد فعلوا ولكنك تأبى أن تستجلب النصر إلا من حيث عودك الله، فإن عاقبت فلك نظير وإن عفوت فليس لك نظير، وإن جرمي يا أمير المؤمنين أعظم من أن أنطق فيه بعذر وعفو أمير المؤمنين أجلّ من أن يفي به شكر. فقال المأمون: مات الحقد عند هذا العذر. فاستعبر إبراهيم وبكى، فقال له المأمون: ما لك؟ قال: الندم إذ كان ذنبي إلى من هذه صفته في الإنعام عليّ.

وحدثني سعيد بن مسلم قال: قال المأمون لإبراهيم بن المهدي بعد المؤانسة وإخراج ما كان في قلبه عليه: يا عم ما الذي حملك على منازعة من جرى قدر الله عز وجل له بتمام أمره وإصلاح شأنه؟ قال: طلب صلاح حالي يا أمير المؤمنين وتوفر ما تتسع به يدي على خاصتي وعامتي. قال: فقدر ما شئت وهو لك مشاهرة. قال: إذاً تجدني بحيث تحب ويجري حكمك عليّ وفي كما يجري في أحد عبيدك. وقد قلت في ذلك:

أرى الحر عبداً للذي سيب كفه ... شراه بما قد غاظه غاية الحمد

على أن ملك الحر أسنى ذريعة ... إلى المجد من مال يصان ومن عبد

وإن خُصّ بيع مِلك حرٍ بنعمة ... إذا قوبلت بالشكر قارنها المجد

فقال: لئن كان ذلك كذلك إني لأهل أن أرفعك بمواد نعمتي عليك عن أن يقال هذا فيك أو تمتهنك عين أحد بذلة.

قال: ودخل المأمون ذات يوم إلى الديوان فنظر إلى غلام جميل على أذنه قلم فقال: من أنت يا غلام؟ قال: يا أمير المؤمنين الناشيء في دولتك والمتقلب في نعمتك والمؤمل لخدمتك الحسن بن رجاء. فقال المأمون: بالإحسان في البديهة تتفاضل العقول. يرفع عن مراتب الديوان إلى مراتب الخاصة ويعطى مائة ألف درهم معونة له. ففعل به ذلك.

قال: ودخل يزيد بن جرير على المأمون وكان وجد عليه فقال: أيزيد؟ قال: نعم يا أمير المؤمنين غذيّ نعمتك وخرّيج صنيعتك وغرس يدك الذي لم يشركك فيه مصطنع ولم يسبقك إلى تخريجه أحد، ولم أزل يا أمير المؤمنين بعفوك بعد سخطك راجياً وببصيرة رأيك في الانفراد بردّي إلى ما عودتني واثقاً حتى أقامني الله جل وعز هذا المقام الذي فيه إدراكي أملي ونيلي محبتي، فإن رأى أمير المؤمنين أن يشهرني برضاه كما شهرني بسخطه فعل إن شاء الله! فقال: قد رضي عنك أمير المؤمنين.

قال: ووصف يحيى بن خالد الفضل بن سهل وهو غلام على المجوسية للرشيد وذكر أدبه وحسن مذهبه وجودة معرفته فعمل على ضمه إلى المأمون.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015