مِنْ تَزْوِيجِ وَلِيَّتِهِ، وَلَيْسَ فِي هَذَا تَطَرُّقُ الْمُحْرِمِ إلَى اسْتِبَاحَةِ الْوَطْءِ فَعَرَفْنَا أَنَّ كَلَامَهُ مِنْ حَيْثُ الْمَعْنَى ضَعِيفٌ جِدًّا، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

(قَالَ): - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - وَغَفَرَ لَهُ: هَذَا آخِرُ شَرْحِ الْعِبَادَاتِ بِأَوْضَحِ الْمَعَانِي وَأَوْجَزِ الْعِبَارَاتِ أَمْلَاهُ الْمَحْبُوسُ عَنْ الْجَمْعِ وَالْجَمَاعَاتِ مُصَلِّيًا عَلَى سَيِّدِ السَّادَاتِ مُحَمَّدٍ الْمَبْعُوثِ بِالرِّسَالَاتِ وَعَلَى أَهْلِهِ مِنْ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ. تَمَّ كِتَابُ الْمَنَاسِكِ وَلِلَّهِ الْمِنَّةُ وَلَهُ الْحَمْدُ الدَّائِمُ الَّذِي لَا يَفْنَى أَمَدُهُ، وَلَا يَنْقَضِي عَدَدُهُ.

[كِتَابُ النِّكَاحِ]

(كِتَابُ النِّكَاحِ) (قَالَ): الشَّيْخُ الْإِمَامُ الْأَجَلُّ الزَّاهِدُ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ وَفَخْرُ الْإِسْلَامِ أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي سَهْلٍ السَّرَخْسِيُّ - رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى إمْلَاءً - اعْلَمْ بِأَنَّ النِّكَاحَ فِي اللُّغَةِ عِبَارَةٌ عَنْ الْوَطْءِ، تَقُولُ الْعَرَبُ: تَنَاكَحَتْ الْعُرَى أَيْ تَنَاتَجَتْ وَيَقُولُ: أَنْكَحْنَا الْعُرَى فَسَنَرَى لِأَمْرٍ يَجْتَمِعُونَ عَلَيْهِ وَيَنْظُرُونَ مَاذَا يَتَوَلَّدُ مِنْهُ، وَحَقِيقَةُ الْمَعْنَى فِيهِ هُوَ الضَّمُّ وَمِنْهُ يُقَالُ: أَنْكَحَ الظِّئْرَ وَلَدُهَا أَيْ أَلْزَمَهُ، وَيُقَالُ انْكِحْ الصَّبْرَ أَيْ الْزَمْهُ، وَقَالَ الْقَائِلُ:

إنَّ الْقُبُورَ تَنْكِحُ الْأَيَامَى ... وَالنِّسْوَةَ الْأَرَامِلَ الْيَتَامَى

أَيْ تَضُمُّهُنَّ إلَى نَفْسِهَا وَاحِدُ الْوَاطِئِينَ يَنْضَمُّ إلَى صَاحِبِهِ فِي تِلْكَ الْحَالَةِ فَسُمِّيَ فِعْلُهُمَا نِكَاحًا قَالَ الْقَائِلُ

كَبِكْرٍ تُحِبُّ لَذِيذَ النِّكَاحِ

أَيْ الْجِمَاعِ، وَقَالَ الْقَائِلُ

التَّارِكِينَ عَلَى طُهْرٍ نِسَاءَهُمْ ... وَالنَّاكِحِينَ بِشَطَّيْ دِجْلَةَ الْبَقَرَا

أَيْ الْوَاطِئِينَ، ثُمَّ يُسْتَعَارُ لِلْعَقْدِ مَجَازًا إمَّا لِأَنَّهُ سَبَبٌ شَرْعِيٌّ يُتَوَصَّلُ بِهِ إلَى الْوَطْءِ، أَوْ لِأَنَّ فِي الْعَقْدِ مَعْنَى الضَّمِّ، فَإِنَّ أَحَدَهُمَا يَنْضَمُّ بِهِ إلَى الْآخَرِ وَيَكُونَانِ كَشَخْصٍ وَاحِدٍ فِي الْقِيَامِ بِمَصَالِحِ الْمَعِيشَةِ. وَزَعَمَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - أَنَّ اسْمَ النِّكَاحِ فِي الشَّرِيعَةِ يَتَنَاوَلُ الْعَقْدَ فَقَطْ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ فَقَدْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {حَتَّى إذَا بَلَغُوا النِّكَاحَ} [النساء: 6] يَعْنِي الِاحْتِلَامَ فَإِنَّ الْمُحْتَلِمَ يَرَى فِي مَنَامِهِ صُورَةَ الْوَطْءِ، وَقَالَ اللَّهُ تَعَالَى {الزَّانِي لَا يَنْكِحُ إلَّا زَانِيَةً} [النور: 3] وَالْمُرَادُ الْوَطْءُ، وَفِي الْمَوْضِعِ الَّذِي حُمِلَ عَلَى الْعَقْدِ فَذَلِكَ لِدَلِيلٍ اقْتَرَنَ بِهِ مِنْ ذِكْرِ الْعَقْدِ أَوْ خِطَابِ الْأَوْلِيَاءِ فِي قَوْلِهِ {وَأَنْكِحُوا الْأَيَامَى مِنْكُمْ} [النور: 32] أَوْ اشْتِرَاطِ إذْنِ الْأَهْلِ فِي قَوْله تَعَالَى {فَانْكِحُوهُنَّ بِإِذْنِ أَهْلِهِنَّ} [النساء: 25]، ثُمَّ يَتَعَلَّقُ بِهَذَا الْعَقْدِ أَنْوَاعٌ مِنْ الْمَصَالِحِ الدِّينِيَّةِ وَالدُّنْيَوِيَّةِ مِنْ ذَلِكَ حِفْظُ النِّسَاءِ وَالْقِيَامُ عَلَيْهِنَّ وَالْإِنْفَاقُ، وَمِنْ ذَلِكَ صِيَانَةُ النَّفْسِ عَنْ الزِّنَا، وَمِنْ ذَلِكَ تَكْثِيرُ عِبَادِ اللَّهِ تَعَالَى وَأُمَّةِ الرَّسُولِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَتَحْقِيقُ مُبَاهَاةِ الرَّسُولِ

طور بواسطة نورين ميديا © 2015