الْأَمْرِ، سِوَى الْجَمِيلِ إلَى أَنْ نَزَغَ الشَّيْطَانُ بَيْنَهُمَا، فَوَقَعَ مَا وَقَعَ، قَالَ: فَسَارَ عُثْمَانُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - حَتَّى رَأَى الضَّفِيرَ فَقَالَ: مَا أَرَى ضَرَرًا، وَقَدْ كَانَ عَلَى عَهْدِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَلَوْ كَانَ جَوْرًا لَمْ يَدَعْهُ، وَإِنَّمَا قَالَ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - كَانَ مَعْرُوفًا بِالْعَدْلِ وَدَفْعِ الظُّلْمِ، عَلَى مَا قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «أَيْنَمَا دَارَ عُمَرُ فَالْحَقُّ مَعَهُ»، وَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ مَا وُجِدَ قَدِيمًا يُتْرَكُ كَذَلِكَ وَلَا يُغَيَّرُ إلَّا بِحُجَّةٍ، فَإِنَّ عُثْمَانَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - تَرَكَ الضَّفِيرَ عَلَى حَالِهِ بِسَبَبِ أَنَّهُ كَانَ قَدِيمًا، وَذُكِرَ عَنْ شُرَيْحٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّهُ يُجِيزُ بَيْعَ كُلِّ مُجِيزٍ، الْوَصِيِّ وَالْوَكِيلِ، وَالْمُجِيزُ: مَا يَتِمُّ الْعَقْدُ بِإِجَازَتِهِ، وَفِيهِ بَيَانُ أَنَّ الْعُقُودَ تَتَوَقَّفُ عَلَى الْإِجَازَةِ، وَأَنَّ مَنْ يَمْلِكُ إنْشَاءَ الْعَقْدِ يَمْلِكُ إجَازَتَهُ، وَصِيًّا كَانَ، أَوْ وَكِيلًا، أَوْ مَالِكًا؛ لِأَنَّ الْمُعْتَبَرَ أَنْ يَكُونَ تَمَامُ الْعَقْدِ بِرَأْيِهِ، وَذَلِكَ مَا حَصَلَ بِإِجَازَتِهِ، وَذُكِرَ عَنْ شُرَيْحٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّهُ قَالَ: " مَنْ اشْتَرَطَ الْخَلَاصَ فَهُوَ أَحْمَقُ، سَلَّمَ مَا بِعْتَ، أَوْ ذَرَّ مَا أَخَذْتَ وَلَا خَلَاصَ " وَبِهِ أَخَذَ عُلَمَاؤُنَا - رَحِمَهُمُ اللَّهُ - بِخِلَافِ مَا يَقُولُهُ إبْرَاهِيمُ النَّخَعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّ مَنْ بَاعَ عَبْدًا يُؤَاخَذُ بِخَلَاصِهِ، يَعْنِي: إذَا شُرِطَ.

(وَهَذِهِ ثَلَاثَةُ فُصُولٍ) الْأَوَّلُ - اشْتِرَاطُ الدَّرَكِ، وَتَفْسِيرُهُ: رَدُّ الْيَمِينِ لِاسْتِحْقَاقِ الْمَبِيعِ، وَهُوَ شَرْطٌ صَحِيحٌ؛ لِأَنَّهُ يُلَائِمُ مُوجَبَ الْعَقْدِ، وَهُوَ ثَابِتٌ بِدُونِ الشَّرْطِ، فَلَا يَزِيدُهُ الشَّرْطُ إلَّا وَكَادَةً، وَالثَّانِي - شَرْطُ الْعُهْدَةِ وَهُوَ جَائِزٌ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ - رَحِمَهُمَا اللَّهُ - فَإِنَّهُ عِبَارَةٌ عَنْ ضَمَانِ الدَّرَكِ عِنْدَهُمَا، وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - هُوَ بَاطِلٌ، وَتَفْسِيرُهُ: الصَّكُّ الْأَصْلِيُّ الَّذِي كَانَ عِنْدَ الْبَائِعِ يَشْتَرِطُ الْمُشْتَرِي عَلَيْهِ أَنْ يُسَلِّمَهُ إلَيْهِ، وَهَذَا شَرْطٌ فِيهِ مَنْفَعَةٌ لِأَحَدِ الْمُتَعَاقِدَيْنِ، وَلَا يَقْتَضِيه الْعَقْدُ فَكَانَ بَاطِلًا، وَالثَّالِثُ - شَرْطُ الْخَلَاصِ، وَتَفْسِيرُهُ: أَنْ يَشْتَرِطَ عَلَى الْبَائِعِ أَنَّ الْمَبِيعَ إذَا اُسْتُحِقَّ مِنْ يَدِهِ يُخَلِّصْهُ حَتَّى يُسَلِّمَهُ إلَيْهِ بِأَيِّ طَرِيقٍ يَقْدِرُ عَلَيْهِ، وَهَذَا بَاطِلٌ؛ لِأَنَّهُ شَرْطٌ لَا يَقْدِرُ عَلَى الْوَفَاءِ بِهِ، فَالْمُسْتَحِقُّ رُبَّمَا لَا يُسَاعِدُهُ عَلَيْهِ، وَلِهَذَا يَنْسِبُهُ شُرَيْحٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ - إلَى الْحَمَاقَةِ، حَيْثُ الْتَزَمَ مَا لَيْسَ فِي وُسْعِهِ الْوَفَاءُ بِهِ، وَإِذَا وَكَّلَ الرَّجُلُ بِالْخُصُومَةِ فِي شَيْءٍ فَهُوَ جَائِزٌ؛ لِأَنَّهُ يَمْلِكُ الْمُبَاشَرَةَ بِنَفْسِهِ، فَيَمْلِكُ هُوَ صَكَّهُ إلَى غَيْرِهِ لِيَقُومَ فِيهِ مَقَامَهُ، وَقَدْ يُحْتَاجُ لِذَلِكَ، إمَّا لِقِلَّةِ هِدَايَتِهِ، أَوْ لِصِيَانَةِ نَفْسِهِ عَنْ الِابْتِذَالِ فِي مَجْلِسِ الْخُصُومَةِ، وَقَدْ جَرَى الرَّسْمُ عَلَى التَّوْكِيلِ عَلَى أَبْوَابِ الْقُضَاةِ مِنْ لَدُنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلَى يَوْمِنَا هَذَا، مِنْ غَيْرِ نَكِيرِ مُنْكِرٍ، وَلَا زَجْرِ زَاجِرٍ

، فَإِنْ أَقَرَّ الْوَكِيلُ عَلَى الَّذِي وَكَّلَهُ بِالْخُصُومَةِ مُطْلَقًا فِي الْقِيَاسِ، لَا يَجُوزُ إقْرَارُهُ، سَوَاءٌ كَانَ فِي مَجْلِسِ الْقَاضِي، أَوْ فِي غَيْرِ مَجْلِسِ الْقَاضِي، وَهُوَ قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ الْأَوَّلُ، وَقَوْلُ زُفَرَ وَالشَّافِعِيِّ - رَحِمَهُمُ اللَّهُ - ثُمَّ رَجَعَ أَبُو يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فَقَالَ يَصِحُّ إقْرَارُهُ فِي مَجْلِسِ الْقَاضِي، وَفِي غَيْرِ مَجْلِسِ

طور بواسطة نورين ميديا © 2015