وقد التزم التلاميذ بأمر المسيح - عليه السلام -، ولم يخرجوا من فلسطين إلا حين أجبرتهم الظروف على الخروج "وأما الذين تشتتوا من جراء الضيق الذي حصل بسبب استفانوس، فاجتازوا إلى فينيقية وقبرص وأنطاكيا، وهم لا يكلمون أحداً بالكلمة إلا اليهود فقط" (أعمال 11/ 19)، ولو كانوا سمعوا المسيح يأمرهم بدعوة الأمم باسم الآب والابن والروح القدس، لخرجوا امتثالاً لقوله، من غير إكراه، ولبشروا الأمم بدعوته، لكنهم لم يفعلوا!.

ولما حدث أن بطرس استدعي من قبل كرنيليوس الوثني ليعرف منه دين النصرانية، ثم تنصر على يديه. لما حصل ذلك لامه التلاميذ فقال لهم: "أنتم تعلمون كيف هو محرم على رجل يهودي أن يلتصق بأحد أجنبي أو يأتي إليه، وأما أنا فقد أراني الله أن لا أقول عن إنسان ما أنه دنس أو نجس" (أعمال 10/ 28)، ولو كان بطرس قد سمع نص التثليث في خاتمة إنجيل متى لألجمهم الحجة، ولقال لهم: ألا تذكرون ما قاله المسيح لنا بعد قيامته من الأموات وقبيل صعوده للسماء! لقد فعلتُ ما فعلت إنفاذاً لأمر المسيح الذي أمرنا بتبشير الأمم وتعميدهم باسم الآب والابن والروح القدس.

لكن بطرس لم يقل شيئاً من ذلك، لأنه لم يسمع المسيح بعد القيامة يدعو لتبشير الأمم باسم الثالوث، بل سمع منه شيئاً آخر: "نحن الذين أكلنا وشربنا معه بعد قيامته من الأموات، وأوصانا أن نكرز للشعب" (أعمال10/ 42)، لقد سمعه بعد القيامة يدعو لكرازة اليهود فقط.

ولما رجع بطرس إلى أورشليم تعرض لمزيد من اللوم من تلاميذ المسيح، فقد " خاصمه الذين من أهل الختان، قائلين: إنك دخلت إلى رجال ذوي غلفة، وأكلت معهم! " (أعمال 11/ 2 - 3)، فلم يجد نصاً من المسيح يرد به عليهم، فبدأ يحكي لهم عن رؤيا منامية رآها سوغت له الأكل مع الأمميين (أعمال 11/ 4 - 10)، ثم حكى لهم كيف جاءه الروح القدس، وأمره بالذهاب "قال لي الروح أن أذهب معهم غير مرتاب في شيء، وذهب معي أيضاً" (أعمال 11/ 12).

وبعد هذا العرض الإقناعي المسهب من بطرس رضي التلاميذ عن ذهابه إلى الغلف "فلما سمعوا ذلك سكتوا، وكانوا يمجدون الله قائلين: إذا أعطى الله الأمم أيضاً التوبة للحياة" (أعمال 11/ 18).

طور بواسطة نورين ميديا © 2015