المأمون استعرض جارية فأعجبته فقال: هي للحاجة لولا عوج رجليها. فقالت: يا أمير المؤمنين، إنهما وراءك ولن يضراك. فاستحسن كلامها وأمر بشرائها.

الباب التاسع

المغنين والمطربين

إسحاق الموصلي سأله المعتصم عن معرفة النغم كيف يميز بينها على تشابهها واختلافها فقال: يا أمير المؤمنين، إن من الأشياء ما تحيط به المعرفة ولا تؤديه الصفة.

وكان يقول: حق الصوت الحسن أن يردف أربعاً: فالأول للبديهة، والثاني للفهم، والثالث لفرح، والرابع للسمع.

إبراهيم بن المهدي وصف مغنياً فقال: لغنائه في القلب موقع القطر من الجدب.

ووصف آخر فقال: القلوب في غنائه على خطر فكيف الجيوب؟ زنام الزامر قال له المتوكل: تأهب للخروج معنا إلى الشام فقال: الناي في كفي والريح في فمي فاعزم.

جحظة البرمكي قال: كان الباطقاني يستطيب غنائي ويكثر من قوله: أحسنت والله أنت، فلا أخلى الله منك، فقلت فيه خفيف:

لي صديق يحب قولي وشدوي ... وله عند ذاك وجه صفيق

إن تغنيت قال أحسنت زدني ... وبأحسنت لا يباع الدقيق

قال: ودعاني بعض الرؤساء فلما صرت إلى بابه قيل إنه قد ركب فكتبت إليه بسيط مخلع:

يا من دعاني ففر عني ... أخلفت والله حسن ظني

؟ قد كنت أرضى بخبز بر وكامخ وقليل جبن

وزكرة من نبيذ تمر ... أقام دهراً بقعر دن

وليس يغلو بما ذكرنا ... محدث شاعر مغن

؟ فصل في لطائف غرر

تنخرط في هذا السلك من هذا الكتاب قال زرقان المتكلم: قد اختلف الناس في السماع فأباحه قوم وحذره الآخرون. وأنا أخالف الفريقين وأقول أنه واجب لكثرة منافعه وحاجة النفوس إليه واستمتاعها به.

حضر طرخان المغني مجلس أنس فغناهم ساعة ثم سقوه ولم يطعموه فغنى متقارب:

خليلي داويتما ظاهرا ... فمن ذا يداوي جوى باطنا

فصل في تفضيل المطرب على الطبيب

قال صاحب الكتاب: قال لي الأمير أبو المظفر ناصر الدين: هل سمعت ما يقول أبو علي الكوسج في الطبيب والمطرب؟ قلت: لا وأيد الله الأمير. قال: فإنه يقول: ما على ظهرها أسوأ حالاً من الطبيب، ولا أنعم بالاً من المطرب، لأن الطبيب يغدو كل يوم إلى الأوجاع والأسقام، وينظر إلى القاذورات والجراحات، وإذا مات المريض يتطير منه ويتشاءم به، وربما يتهم بسم الملوك فيكون فيه إراقة دمه. والمطرب يدعى إلى مجالس اللهو والأنس والطرب ومواضع الخير والنعمة، يكرم مثواه ويحسن مرآه، ويعطى ويبر ويخلع عليه، فينقلب إلى أهله مسروراً طيب النفس ضاحك السن راضياً في الدهر، ثم يحمل على الأذقان، ويحده بتساوي النعم يوم وغد، ويقع تحت قول الأول طويل:

هل العيش إلا ليلة طرحت بنا ... أواخرها في يوم لهو معجل

وللسري الرفاء الموصلي طويل:

إذا ما مضى يومٌ من الدهر صالح ... فصله بيوم صالح العيش من غد

الباب العاشر

لطائف الفضلاء والظرفاء من كل فن وطبقة

قال بعضهم في كلام دار بينه وبين الوليد بن يزيد: والله ما شرب الناس على أحسن من وجه السماء، ونسيم الهواء، وسعة الفضاء، وخضرة الكلاء، وخرير الماء.

علي بن عبيدة الريحاني، قال الجاحظ: دخلت عليه أعوده فقلت له: ما تشتكي يا أبا الحسن؟ فقال: أعين الرقباء، وألسن الوشاة، وأكباد الحساد.

ودخل عليه صديق له من قطيعة الربيع، فعاتبه على انقطاعه عنه طويلاً ثم قال: يا عجباه أعاتبك على القطيعة وأنت من أهل القطيعة!.

وجمعه مجلس وقينة يهواها، وأذن الظهر، فقيل له: قد زالت الشمس، فقال: أما شمسي فلم تزل.

أبو شراعة العتبي نظر في المرآة فرأى دمامة وجهه فقال: الحمد لله الذي لا يحمد على المكروه سواه.

ابن عائشة القرشي قال: كن لما لا ترجو أرجى منك لما ترجو، فإن موسى عليه السلام ذهب ليقتبس النار فكلمه الملك الجبار!.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015