الكليات (صفحة 63)

والإرادة: هِيَ فِي الأَصْل قُوَّة مركبة من شَهْوَة وحاجة وخاطر وأمل، ثمَّ جعلت اسْما لنزوع النَّفس إِلَى شَيْء مَعَ الحكم فِيهِ أَنه يَنْبَغِي أَن يفعل أَو أَن لَا يفعل

وَفِي " الْأَنْوَار ": هِيَ نزوع النَّفس وميلها إِلَى الْفِعْل بِحَيْثُ يحملهَا عَلَيْهِ؛ وَيُقَال للقوة الَّتِي هِيَ مبدأ النُّزُوع؛ وَالْأول مَعَ الْفِعْل وَالثَّانِي قبله

وتعريفها بِأَنَّهَا اعْتِقَاد النَّفْع أَو ظَنّه أَو هِيَ ميل يتبع ذَلِك الِاعْتِقَاد أَو الظَّن

كَمَا أَن الْكَرَاهَة نفرة تتبع اعْتِقَاد الضّر أَو ظَنّه، إِنَّمَا هُوَ على رَأْي الْمُعْتَزلَة والاتفاق على أَنَّهَا صفة مخصصة لأحد المقدورين بالوقوع

وَقيل فِي حَدهَا: إِنَّهَا بِمَعْنى يُنَافِي الْكَرَاهَة والاضطرار فَيكون الْمَوْصُوف بهَا مُخْتَارًا فِيمَا يَفْعَله وَقيل: إِنَّهَا معنى يُوجب اخْتِصَاص الْمَفْعُول بِوَجْه دون وَجه لِأَنَّهُ لَوْلَا الْإِرَادَة لما كَانَ وَقت وجوده أولى من وَقت آخر، وَلَا كمية وَلَا كَيْفيَّة أولى مِمَّا سواهَا

والإرادة إِذا اسْتعْملت فِي الله: يُرَاد بهَا الْمُنْتَهى، وَهُوَ الحكم دون المبدأ، فَإِنَّهُ تَعَالَى غَنِي عَن معنى النُّزُوع بِهِ

وَاخْتلف فِي معنى ارادته تَعَالَى: وَالْحق أَنه تَرْجِيح أحد طرفِي الْمَقْدُور على الآخر وتخصيصه بِوَجْه دون وَجه، أَو معنى يُوجب هَذَا التَّرْجِيح

وَهِي أَعم من الِاخْتِيَار فَإِنَّهُ ميل مَعَ تَفْضِيل

ثمَّ إِن إِرَادَة الله تَعَالَى لَيست زَائِدَة على ذَاته كإرادتنا، بل هِيَ عين حكمته الَّتِي تخصص وُقُوع الْفِعْل على وَجه دون وَجه، وحكمته عين علمه الْمُقْتَضِي لنظام الْعَالم على الْوَجْه الْأَصْلَح وَالتَّرْتِيب الْأَكْمَل، وانضمامها مَعَ الْقُدْرَة هُوَ الِاخْتِيَار

والإرادة حَقِيقَة وَاحِدَة قديمَة قَائِمَة بِذَاتِهِ كعلمه؛ إِذْ لَو تعدّدت إِرَادَة الْفَاعِل الْمُخْتَار أَو تعلقهَا لم يكن وَاحِدًا من جَمِيع الْجِهَات ومتعلقة بِزَمَان معِين، إِذْ لَو تعلّقت بِفعل من أَفعَال نَفسه لزم وجود ذَلِك الْفِعْل وَامْتنع تخلفه عَن إِرَادَته اتِّفَاقًا من أهل الْملَّة والحكماء

وَأما إِذا تعلّقت بِفعل غَيره فَفِيهِ خلاف الْمُعْتَزلَة الْقَائِلين بِأَن معنى الْأَمر هُوَ الْإِرَادَة لَا يُوجب الْمَأْمُور بِهِ كَمَا فِي الْقَضَاء وَأما الْإِرَادَة الْحَادِثَة فَلَا توجبه اتِّفَاقًا، وَلَا يلْزم من ضَرُورَة وجود الْإِرَادَة وَالْقُدْرَة فِي الْقدَم قدم مَا يتخصص بهَا، والتعدد فِي متعلقاتها وتعلقها على نَحْو مُتَعَلق الشَّمْس بِمَا قابلها واستضاء بهَا وَهُوَ المعني بسلب النِّهَايَة عَن ذَات وَاجِب الْوُجُود؛ وَكَذَا فِي غير الْإِرَادَة من صِفَات الذَّات؛ وَأما سلب النِّهَايَة عَنْهَا بِالنّظرِ إِلَى المتعلقات فَمَا يَصح أَن يتَعَلَّق بِهِ الْإِرَادَة من الجائزات فَلَا نِهَايَة لَهُ بِالْقُوَّةِ لَا انه غير متناه بِالْفِعْلِ؛ وَهَذَا لَا مراء فِيهِ وَلَا دَلِيل يُنَافِيهِ

وَاخْتلفُوا فِي كَونه تَعَالَى مرِيدا مَعَ اتِّفَاق الْمُسلمين على إِطْلَاق هَذَا اللَّفْظ على الله تَعَالَى، فَقَالَ النجار: إِنَّه معنى سَلبِي وَمَعْنَاهُ أَنه غير مغلوب وَلَا مستكره؛ وَمِنْهُم من قَالَ: إِنَّه أَمر ثبوتي، وَهَؤُلَاء اخْتلفُوا قَالَ بَعضهم: مَعْنَاهُ علم الله باشتمال الْفِعْل على الْمصلحَة أَو الْمفْسدَة، ويسمون هَذَا الْعلم بالداعي أَو الصَّارِف، وَقَالَ بَعضهم: إِنَّه صفة زَائِدَة على الْعلم

تمّ اخْتلفُوا فِي تِلْكَ الصّفة قَالَ بَعضهم: ذاتية،

طور بواسطة نورين ميديا © 2015