الكليات (صفحة 55)

مِنْكُم} {وَمن يشاق الله} {وَمن يُشَاقق الله} وَفِيمَا عدا هَذِه المواطن الْمَذْكُورَة لَا يجوز إبراز التَّضْعِيف إِلَّا فِي ضَرُورَة الشّعْر؛ وحروف ضم شفوي يدغم فِيهَا مَا يجاورها دون الْعَكْس

الْأَدَاء: هُوَ فِي عرف أهل الشَّرْع عبارَة عَن تَسْلِيم عين الْوَاجِب فِي الْوَقْت

وَالْقَضَاء: عبارَة عَن تَسْلِيم مثل الْوَاجِب فِي غير وقته، كالحائض، نظر فَخر فَخر الْإِسْلَام إِلَى مَعْنَاهُمَا اللّغَوِيّ وَوجد معنى الْقَضَاء شَامِلًا لتسليم الْعين والمثل فَجعله حَقِيقَة فيهمَا، وَوجد معنى الْأَدَاء خَاصّا فِي تَسْلِيم الْعين فَجعله مجَازًا فِي غَيره

وَنظر شمس الْأَئِمَّة إِلَى الْعرف وَالشَّرْع وَوجد كل وَاحِد مِنْهُمَا خَاصّا بِمَعْنى فَجعلَا مجَازًا فِي غير مَا اخْتصَّ كل وَاحِد بِهِ؛ ثمَّ الْمُؤَدى بعد فَوَاته عَن الْوَقْت الْمعِين يكون قَضَاء عندنَا، سَوَاء كَانَ الْوَاجِب ثَابتا فِي الْوَقْت أَو لم يكن وَقَالَ أَصْحَاب الحَدِيث: إِن كَانَ وَاجِبا فِي الْوَقْت يكون أَدَاء حَقِيقَة؛ وَهُوَ فرض ثَان، وَإِنَّمَا سمي قَضَاء مجَازًا

الْإِدْرَاك: هُوَ عبارَة عَن الْوُصُول واللحوق يُقَال: أدْركْت الثَّمَرَة: إِذا بلغت النضج وَقَالَ أَصْحَاب مُوسَى: {إِنَّا لمدركون} : أَي ملحقون وَمن رأى شَيْئا وَرَأى جوانبه ونهاياته قيل إِنَّه أدْرك بِمَعْنى أَنه رأى وأحاط بِجَمِيعِ جوانبه وَيصِح: (رَأَيْت الحبيب وَمَا أدْركهُ بَصرِي) وَلَا يَصح: (أدْركهُ بَصرِي وَمَا رَأَيْته) فَيكون الْإِدْرَاك أخص من الرُّؤْيَة

والإدراك: تمثل حَقِيقَة الشَّيْء عِنْد الْمدْرك يشاهدها مَا بِهِ يدْرك، وَإِدْرَاك الجزئي على وَجه جزئي ظَاهر؛ وَإِدْرَاك الجزئي على وَجه كلي هُوَ إِدْرَاك كُلية الَّذِي ينْحَصر فِي ذَلِك الجزئي والإدراك وَمُطلق التَّصَوُّر وَاحِد

وَاعْلَم أَن الْإِدْرَاك هُوَ عبارَة عَن كَمَال يحصل بِهِ مزِيد كشف على مَا يحصل فِي النَّفس من الشَّيْء الْمَعْلُوم من جِهَة التعقل بالبرهان أَو الْخَبَر وَهَذَا الْكَمَال الزَّائِد على مَا حصل فِي النَّفس بِكُل وَاحِدَة من الْحَواس هُوَ الْمُسَمّى إدراكا ثمَّ هَذِه الإدراكات لَيست بِخُرُوج شَيْء من الْآلَة الداركة إِلَى الشَّيْء الْمدْرك وَلَا بانطباع صُورَة الْمدْرك فِيهَا، وَإِنَّمَا هِيَ معنى يخلقه الله تَعَالَى فِي تِلْكَ الحاسة، فَلَا محَالة أَن الْعقل يجوز أَن يخلق الله فِي الحاسة المبصرة، بل وَفِي غَيرهَا زِيَادَة كشف بِذَاتِهِ وبصفاته على مَا حصل مِنْهُ بِالْعلمِ الْقَائِم فِي النَّفس، من غير أَن يُوجب حدوثا وَلَا نقصا فعلى هَذَا لَا يستبعد أَن يتَعَلَّق الْإِدْرَاك بِمَا لَا يتَعَلَّق بِهِ الإدراكات فِي مجاري الْعَادَات؛ فَأَيْنَ استدعاء الرُّؤْيَة على فَاسد أصُول المنكرين الْمُقَابلَة المستدعية للجهة الْمُوجبَة كَونه جوهرا أَو عرضا

وَقد تبين أَن الْإِدْرَاك نوع من الْعُلُوم بِخلق الله تَعَالَى، وَالْعلم لَا يُوجب فِي تعلقه بالمدرك مُقَابلَة وجهة؛ وَقد وَردت الْأَخْبَار وتواترت الْآثَار من أَن مُحَمَّدًا عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام كَانَ يرى جِبْرِيل وَيسمع كَلَامه عِنْد نُزُوله عَلَيْهِ، وَمن هُوَ حَاضر فِي مَجْلِسه لَا يدْرك شَيْئا من ذَلِك، مَعَ سَلامَة آلَة الْإِدْرَاك

وَاعْلَم أَن أول مَرَاتِب وُصُول الْعلم إِلَى النَّفس

طور بواسطة نورين ميديا © 2015