الكليات (صفحة 443)

[وَهِي لُغَة: الْعَهْد لِأَن نقضه يُوجب الذَّم، وَمِنْه يُقَال: أهل الذِّمَّة للمعاهدين من الْكفَّار

وَشرعا: مُخْتَلف فِيهَا فَمنهمْ من جعلهَا وَصفا وَعرفهَا بِأَنَّهَا وصف يصير الشَّخْص بِهِ أَهلا للْإِيجَاب لَهُ وَعَلِيهِ، وَظَاهر كَلَام أبي زيد فِي " التَّقْوِيم " يُشِير إِلَى أَن المُرَاد بِالذِّمةِ الْعقل وَمِنْهُم من جعلهَا ذاتا وَهُوَ اخْتِيَار فَخر الْإِسْلَام عَلَيْهِ الرَّحْمَة، وَلِهَذَا عرفهَا بِأَنَّهَا نفس لَهَا عهد فَإِن الْإِنْسَان يُولد وَله ذمَّة صَالِحَة للْوُجُوب لَهُ وَعَلِيهِ بِإِجْمَاع الْفُقَهَاء حَتَّى يثبت لَهُ ملك الرَّقَبَة وَملك النِّكَاح وَيلْزمهُ عشر أرضه وخراجها بِالْإِجْمَاع وَغير ذَلِك من الْأَحْكَام، وَهَذِه الذِّمَّة الصَّالِحَة للْوُجُوب لَهُ وَعَلِيهِ إِنَّمَا تثبت لَهُ بِنَاء على الْعَهْد السَّابِق الَّذِي جرى بَين العَبْد وَبَين ربه جلّ وَعلا يَوْم الْمِيثَاق كَمَا أخبر الله تَعَالَى بقوله: {وَإِذ أَخذ رَبك من بني آدم من ظُهُورهمْ ذُرِّيتهمْ} حَتَّى الْتزم بِهَذَا الْعَهْد جَمِيع مَا يُمكن أَن يجب عَلَيْهِ من الْحُقُوق عِنْد تحقق أَسبَابهَا، فَإِذا وجد سَبَب حق وَلزِمَ ذَلِك عَلَيْهِ قيل: وَجب فِي ذمَّته، أَي هَذَا الْوَاجِب مِمَّا دخل فِي عَهده الْمَاضِي وَلزِمَ عَلَيْهِ بِحكم ذَلِك الْعَهْد

غير أَن الْوُجُوب غير مَقْصُود بِنَفسِهِ بل بحكمة وَهِي الْأَدَاء على اخْتِيَار حَتَّى يظْهر الْمُطِيع بِهِ عَن العَاصِي فَيتَحَقَّق الِابْتِلَاء الْمَذْكُور فِي قَوْله تَعَالَى: {ليَبْلُوكُمْ أَيّكُم أحسن عملا} فَجَاز أَن يَنْعَدِم الْوُجُوب لِانْعِدَامِ حكمه كَمَا يَنْعَدِم بانعدام سَببه وَمحله] . (قَالَ أَبُو زيد: (مذمة) ، بِكَسْر الذَّال من (الذمام) وبالفتح من (الذَّم) والذم لَا يسْتَعْمل إِلَّا لإِظْهَار سوء بِقصد التعييب

والذم قد يعبر بِهِ عَمَّا يقدم عَلَيْهِ بِقصد النصح)

الذَّات: هُوَ مَا يصلح أَن يعلم ويخبر عَنهُ، مَنْقُول عَن مؤنث (ذُو) بِمَعْنى الصاحب، لِأَن الْمَعْنى الْقَائِم بِنَفسِهِ بِالنِّسْبَةِ إِلَى مَا يقوم بِهِ يسْتَحق الصاحبية والمالكية ولمكان النَّقْل لم يعبروا أَن التَّاء للتأنيث عوضا عَن اللَّام المحذوفة فأجروها مجْرى الْأَسْمَاء المستقلة فَقَالُوا: ذَات قديم وَذَات مُحدث، وَقيل: التَّاء فِيهِ كالتاء فِي الْوَقْت وَالْمَوْت، فَلَا معنى لتوهم التَّأْنِيث، وَقد يُطلق الذَّات وَيُرَاد بِهِ الْحَقِيقَة، وَقد يُطلق وَيُرَاد بِهِ مَا قَامَ بِذَاتِهِ، وَقد يُطلق وَيُرَاد بِهِ المستقل بالمفهومية، ويقابله الصّفة بِمَعْنى غير مُسْتَقل بالمفهوميه، وَقد يسْتَعْمل اسْتِعْمَال النَّفس وَالشَّيْء فَيجوز تأنيثه وتذكيره، وَقد يُطلق الذَّات وَيُرَاد بِهِ الرِّضَا، وَعَلِيهِ حَدِيث: " إِن من أعظم النَّاس أجرا الْوَزير الصَّالح من أَمِير يتبعهُ فِي ذَات الله " المُرَاد مِنْهُ طلب رضوَان الله وَكَذَا حَدِيث: " إِن إِبْرَاهِيم لم يكذب إِلَّا فِي ثَلَاث، ثِنْتَيْنِ فِي ذَات الله " أَي فِي طلب مرضاته

وَقد يُرَاد بِالذَّاتِ مَفْهُوم الشَّيْء كَمَا فِي قَوْله: الضاحك اللَّاحِق بالكاتب فَإِنَّهُ يُرَاد مَفْهُوم الْكَاتِب دون الذَّات الَّذِي يصدق عَلَيْهِ الْكَاتِب وَلَفظ الذَّات وَإِن لم يرد بِهِ التَّوْقِيف، لكنه بِمَعْنى مَا ورد بِهِ التَّوْقِيف، وَهُوَ الشَّيْء وَالنَّفس إِذْ معنى النَّفس فِي حَقه تَعَالَى الْمَوْجُود الَّذِي تقوم بِهِ الصِّفَات

طور بواسطة نورين ميديا © 2015