يَنْفَعَانِ، وَإِنَّ اللَّهَ قَدْ بَعَثَ رَسُولًا، وَأَنْزَلَ عَلَيْهِ كِتَابًا، وَقَدِ اسْتَنْقَذَكُمْ بِهِ مِمَّا كُنْتُمْ فِيهِ. وَأَظْهَرَ إِسْلَامَهُ، فَمَا أَمْسَى ذَلِكَ الْيَوْمَ فِي حَاضِرِهِ رَجُلٌ مُشْرِكٌ وَلَا امْرَأَةٌ مُشْرِكَةٌ، فَمَا سُمِعَ بِوَافِدِ قَوْمٍ كَانَ أَفْضَلَ مِنْ ضِمَامِ بْنِ ثَعْلَبَةَ.

[ذِكْرُ حَجِّ أَبِي بَكْرٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -]

وَفِيهَا «حَجَّ أَبُو بَكْرٍ بِالنَّاسِ وَمَعَهُ عِشْرُونَ بَدَنَةً لِرَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَلِنَفْسِهِ خَمْسُ بَدَنَاتٍ، وَكَانَ فِي ثَلَاثِمِائَةِ رَجُلٍ، فَلَمَّا كَانَ بِذِي الْحُلَيْفَةِ أَرْسَلَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي أَثَرِهِ عَلِيًّا، وَأَمَرَهُ بِقِرَاءَةِ سُورَةِ " بَرَاءَةٌ " عَلَى الْمُشْرِكِينَ، فَعَادَ أَبُو بَكْرٍ وَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَنَزَلَ فِيَّ شَيْءٌ؟ قَالَ: لَا، وَلَكِنْ لَا يُبَلِّغُ عَنِّي إِلَّا أَنَا أَوْ رَجُلٌ مِنِّي، أَلَا تَرْضَى يَا أَبَا بَكْرٍ أَنَّكَ كُنْتَ مَعِي فِي الْغَارِ وَصَاحِبِي عَلَى الْحَوْضِ؟ قَالَ: بَلَى، فَسَارَ أَبُو بَكْرٍ أَمِيرًا عَلَى الْمَوْسِمِ، فَأَقَامَ النَّاسُ الْحَجَّ، وَحَجَّتِ الْعَرَبُ الْكُفَّارُ عَلَى عَادَتِهِمْ فِي الْجَاهِلِيَّةِ، وَعَلِيٌّ يُؤَذِّنُ بِ " بَرَاءَةٌ "، فَنَادَى يَوْمَ الْأَضْحَى: لَا يَحُجَّنَّ بَعْدَ الْعَامِ مُشْرِكٌ، وَلَا يَطُوفَنَّ بِالْبَيْتِ عُرْيَانٌ، وَمَنْ كَانَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَهْدٌ؛ فَأَجَلُهُ إِلَى مُدَّتِهِ» . وَرَجَعَ الْمُشْرِكُونَ، فَلَامَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا وَقَالُوا: مَا تَصْنَعُونَ وَقَدْ أَسْلَمَتْ قُرَيْشٌ؟ فَأَسْلَمُوا.

وَفِي هَذِهِ السَّنَةِ فُرِضَتِ الصَّدَقَاتُ، وَفَرَّقَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِيهَا عُمَّالَهُ.

وَفِيهَا فِي شَعْبَانَ تُوُفِّيَتْ أُمُّ كُلْثُومٍ بِنْتُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَهِيَ زَوْجُ عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ، وَغَسَّلَتْهَا أَسْمَاءُ بِنْتُ عُمَيْسٍ، وَصَفِيَّةُ بِنْتُ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ، وَقِيلَ: غَسَّلَتْهَا نِسْوَةٌ مِنَ الْأَنْصَارِ، مِنْهُنَّ أُمُّ عَطِيَّةَ، وَصَلَّى عَلَيْهَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَنَزَلَ فِي حُفْرَتِهَا أَبُو طَلْحَةَ.

وَفِيهَا «مَاتَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أُبَيٍّ ابْنُ سَلُولَ رَأْسُ الْمُنَافِقِينَ، وَكَانَ ابْتِدَاءُ مَرَضِهِ فِي شَوَّالٍ، فَلَمَّا تُوُفِّيَ جَاءَ ابْنُهُ عَبْدُ اللَّهِ إِلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَسَأَلَهُ قَمِيصَهُ، فَأَعْطَاهُ فَكَفَّنَهُ فِيهِ، وَجَاءَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِيُصَلِّيَ عَلَيْهِ، فَقَامَ عُمَرُ فِي صَدْرِهِ وَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَتُصَلِّي عَلَيْهِ وَقَدْ قَالَ يَوْمَ كَذَا كَذَا وَكَذَا؟ يُعَدِّدُ أَيَّامَهُ، وَرَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَتَبَسَّمُ ثُمَّ قَالَ: أَخِّرْ عَنِّي عُمَرُ، قَدْ خُيِّرْتُ فَاخْتَرْتُ، قَدْ قِيلَ لِي: {اسْتَغْفِرْ لَهُمْ أَوْ لَا تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ إِنْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِينَ مَرَّةً فَلَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَهُمْ} [التوبة: 80]

طور بواسطة نورين ميديا © 2015