فَاتَّفَقَ فِي تِلْكَ الْأَيَّامِ أَنْ تُوُفِّيَ الْمَلِكُ الظَّاهِرُ وَالرَّسُولُ فِي الطَّرِيقِ، وَلَمَّا عَهِدَ الظَّاهِرُ إِلَى وَلَدِهِ بِالْمُلْكِ جَعَلَ أَتَابِكَهُ وَمُرَبِّيَهُ خَادِمًا رُومِيًّا، اسْمُهُ طُغْرُلْ، وَلَقَبُهُ شِهَابُ الدِّينِ، وَهُوَ مِنْ خِيَارِ عِبَادِ اللَّهِ، كَثِيرُ الصَّدَقَةِ وَالْمَعْرُوفِ.

وَلَمَّا تُوُفِّيَ الظَّاهِرُ، أَحْسَنَ شِهَابُ الدِّينِ هَذَا السِّيرَةَ فِي النَّاسِ، وَعَدَلَ فِيهِمْ، وَأَزَالَ كَثِيرًا مِنَ السُّنَنِ الْجَارِيَةِ، وَأَعَادَ أَمْلَاكًا كَانَتْ قَدْ أُخِذَتْ مِنْ أَرْبَابِهَا، وَقَامَ بِتَرْبِيَةِ الطِّفْلِ أَحْسَنَ قِيَامٍ، وَحَفَظَ بِلَادَهَ، وَاسْتَقَامَتِ الْأُمُورُ بِحُسْنِ سِيرَتِهِ وَعَدْلِهِ، وَمَلَكَ مَا كَانَ يَتَعَذَّرُ عَلَى الظَّاهِرِ مُلْكَهُ، فَمِنْ ذَلِكَ تَلُّ بَاشَرَ، كَانَ الْمَلِكُ الظَّاهِرُ لَا يَقْدِرُ أَنْ يَتَعَرَّضَ إِلَيْهِ، فَلَمَّا تُوُفِّيَ مَلِكُهَا كِيكَاوِشُ، مَلِكُ الرُّومِ - كَمَا نَذْكُرُهُ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى - انْتَقَلَتْ إِلَى شِهَابِ الدِّينِ، وَمَا أَقْبَحَ بِالْمُلُوكِ وَأَبْنَاءِ الْمُلُوكِ أَنْ يَكُونَ هَذَا الرَّجُلُ الْغَرِيبُ الْمُنْفَرِدُ أَحْسَنَ سِيرَةً، وَأَعَفَّ عَنْ أَمْوَالِ الرَّعِيَّةِ، وَأَقْرَبَ إِلَى الْخَيْرِ مِنْهُمْ، وَلَا أَعْلَمُ الْيَوْمَ فِي وُلَاةِ أُمُورِ الْمُسْلِمِينَ أَحْسَنَ سِيرَةً مِنْهُ، فَاللَّهُ يُبْقِيهِ، وَيَدْفَعُ عَنْهُ، فَلَقَدْ بَلَغَنِي عَنْهُ كُلُّ حَسَنٍ وَجَمِيلٍ.

ذِكْرُ عِدَّةِ حَوَادِثَ

فِي هَذِهِ السَّنَةِ، فِي الْمُحَرَّمِ، وَقَعَ بِالْبَصْرَةِ بَرَدٌ كَثِيرٌ، وَهُوَ مَعَ كَثْرَتِهِ عَظِيمُ الْقَدْرِ قِيلَ: كَانَ أَصْغَرُهُ مِثْلَ النَّارَنْجَةِ الْكَبِيرَةِ، وَقِيلَ فِي أَكْبَرِهِ مَا يَسْتَحِي الْإِنْسَانُ أَنْ يَذْكُرَهُ، فَكَسَرَ كَثِيرًا مِنْ رُءُوسِ النَّخِيلِ.

وَفِي الْمُحَرَّمِ أَيْضًا سَيَّرَ الْخَلِيفَةُ النَّاصِرُ لِدِينِ اللَّهِ وَلَدَيِ ابْنِهِ الْمُعَظَّمِ عَلِيٍّ إِلَى تُسْتَرَ، وَهُمَا الْمُؤَيِّدُ وَالْمُوَفَّقُ، وَسَارَ مَعَهُمَا مُؤَيِّدُ الدِّينِ النَّائِبُ عَنِ الْوِزَارَةِ، وَعِزُّ الدِّينِ الشَّرَابِيُّ، فَأَقَامَا بِهَا يَسِيرًا، ثُمَّ عَادَ الْمُوَفَّقُ مَعَ الْوَزِيرِ وَالشَّرَابِيِّ إِلَى بَغْدَادَ أَوَاخِرَ رَبِيعٍ الْآخَرِ.

وَفِيهَا، فِي صَفَرٍ، هَبَّتْ بِبَغْدَادَ رِيحٌ سَوْدَاءُ شَدِيدَةٌ، كَثِيرَةُ الْغُبَارِ وَالْقَتَامِ، وَأَلْقَتْ

طور بواسطة نورين ميديا © 2015