فَسَارَ الْجَيْشُ مَعَ الْهِنْدِيِّ، فَعَبَرُوا النَّهْرَ، فَلَمْ يَشْعُرِ الْهُنُودُ إِلَّا وَقَدْ خَالَطَهُمُ الْمُسْلِمُونَ، وَوَضَعُوا السَّيْفَ فِيهِمْ، فَاشْتَغَلَ الْمُوَكَّلُونَ بِحِفْظِ الْمَخَاضَاتِ، فَعَبَرَ شِهَابُ الدِّينِ وَبَاقِي الْعَسَاكِرِ، وَأَحَاطُوا بِالْهُنُودِ، وَأَكْثَرُوا الْقَتْلَ فِيهِمْ، وَنَادَوْا بِشِعَارِ الْإِسْلَامِ، فَلَمْ يَنْجُ مِنَ الْهُنُودِ إِلَّا مَنْ عَجَزَ الْمُسْلِمُونَ عَنْ قَتْلِهِ وَأَسْرِهِ، وَقُتِلَتْ مَلِكَتُهُمْ، وَتَمَكَّنَ شِهَابُ الدِّينِ بَعْدَ هَذِهِ الْوَقْعَةِ مِنْ بِلَادِ الْهِنْدِ، وَأَمِنَ مَعَرَّةَ فَسَادِهِمْ، وَالْتَزَمُوا لَهُ بِالْأَمْوَالِ وَسَلَّمُوا إِلَيْهِ الرَّهَائِنَ وَصَالَحُوهُ وَأَقْطَعَ مَمْلُوكَهُ قُطْبَ الدِّينِ أَيْبَكَ مَدِينَةَ دَهْلِي، وَهِيَ كُرْسِيُّ الْمَمَالِكِ الَّتِي فَتَحَهَا مِنَ الْهِنْدِ، فَأَرْسَلَ عَسْكَرًا مِنَ الْخَلِيجِ مَعَ مُحَمَّدِ بْنِ بَخْتَيَارَ، فَمَلَكُوا مِنْ بِلَادِ الْهِنْدِ مَوَاضِعَ مَا وَصَلَ إِلَيْهَا مُسْلِمٌ قَبْلَهُ، حَتَّى قَارَبُوا حُدُودَ الصِّينِ مِنْ جِهَةِ الْمَشْرِقِ.

وَقَدْ حَدَّثَنِي صَدِيقٌ لِي مِنَ التُّجَّارِ بِوَقْعَتَيْنِ تُشْبِهَانِ هَاتَيْنِ الْوَقْعَتَيْنِ الْمَذْكُورَتَيْنِ وَبَيْنَهُمَا بَعْضُ الْخِلَافِ، وَقَدْ ذَكَرْنَاهُمَا سَنَةَ ثَمَانٍ وَثَمَانِينَ وَخَمْسِمِائَةٍ.

ذِكْرُ عِدَّةِ حَوَادِثَ

فِي هَذِهِ السَّنَةِ تُوُفِّيَ يَعْقُوبُ الْكَاتِبُ بِبَغْدَادَ، وَكَانَ يَسْكُنُ بِالْمَدْرَسَةِ النِّظَامِيَّةِ، وَحَضَرَ مُتَوَلِّي الْمَتْرُوكَاتِ وَخَتَمَ عَلَى الْغُرْفَةِ الَّتِي كَانَ يَسْكُنُهَا بِالْمَدْرَسَةِ، فَثَارَ الْفُقَهَاءُ وَضَرَبُوا الْمُتَوَلِّيَ وَأَخَذُوا التَّرِكَةَ، وَهَذِهِ عَادَتُهُمْ فِيمَنْ يَمُوتُ بِهَا وَلَيْسَ لَهُ وَارِثٌ، فَقَبَضَ حَاجِبُ الْبَابِ عَلَى رَجُلَيْنِ مِنَ الْفُقَهَاءِ وَعَاقَبَهُمَا، وَحَبَسَهُمَا، فَأَغْلَقَ الْفُقَهَاءُ الْمَدْرَسَةَ، وَأَلْقَوْا كُرْسِيَّ الْوُعَّاظِ فِي الطَّرِيقِ، وَصَعِدُوا سَطْحَ الْمَدْرَسَةِ لَيْلًا، وَاسْتَغَاثُوا، وَتَرَكُوا الْأَدَبَ.

وَكَانَ حِينَئِذٍ مُدَرِّسُهُمُ الشَّيْخَ أَبَا النَّجِيبِ، فَجَاءَ وَأَلْقَى نَفْسَهُ تَحْتَ التَّاجِ يَعْتَذِرُ، فَعُفِيَ عَنْهُ.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015