وَسِجِسْتَانَ، وَصِرْنَا مُلُوكًا مَتْبُوعِينَ، بَعْدَ أَنْ كُنَّا أَصَاغِرَ تَابِعِينَ، وَمَا تَقْتَضِي نِعَمُ اللَّهِ عَلَيْنَا أَنْ نُقَابِلَهَا هَذِهِ الْمُقَابَلَةَ.

فَقَالَ طُغْرُلْبِكْ: قُلْ لَهُ فِي الْجَوَابِ: يَا أَخِي أَنْتِ مَلَكْتَ خُرَاسَانَ وَهِيَ بِلَادٌ عَامِرَةٌ، فَخَرَّبْتَهَا، وَوَجَبَ عَلَيْكَ مَعَ اسْتِقْرَارِ قَدَمِكَ عِمَارَتُهَا، وَأَنَا وَرَدْتُ بِلَادًا خَرَّبَهَا مَنْ تَقَدَّمَنِي، وَاجْتَاحَهَا مَنْ كَانَ قَبْلِي، فَمَا أَتَمَكَّنُ مِنْ عِمَارَتِهَا وَالْأَعْدَاءُ مُحِيطَةٌ بِهَا، وَالضَّرُورَةُ تَقُودُ إِلَى طَرْقِهَا بِالْعَسَاكِرِ، وَلَا يُمْكِنُ دَفْعُ مَضَرَّتِهَا عَنْهَا.

وَلَهُ مَنَاقِبُ كَثِيرَةٌ تَرَكْنَاهَا خَوْفَ التَّطْوِيلِ.

ذِكْرُ حَرِيقِ بَغْدَاذَ.

فِي هَذِهِ السَّنَةِ احْتَرَقَتْ بَغْدَاذُ: الْكَرْخُ وَغَيْرُهُ، وَبَيْنَ السُّورَيْنِ، وَاحْتَرَقَتْ فِيهِ خِزَانَةُ الْكُتُبِ الَّتِي وَقَفَهَا أَرْدَشِيرُ الْوَزِيرُ وَنُهِبَتْ بَعْضُ كُتُبِهَا، وَجَاءَ عَمِيدُ الْمُلْكِ الْكُنْدُرِيُّ، فَاخْتَارَ مِنَ الْكُتُبِ خَيْرَهَا، وَكَانَ بِهَا عَشَرَةُ آلَافِ مُجَلَّدٍ وَأَرْبَعُمِائَةِ مُجَلَّدٍ مِنْ أَصْنَافِ الْعُلُومِ مِنْهَا: مِائَةُ مُصْحَفٍ بِخُطُوطِ بَنِي مُقْلَةَ، وَكَانَ الْعَامَّةُ قَدْ نَهَبُوا بَعْضَهَا لَمَّا وَقَعَ الْحَرِيقُ، فَأَزَالَهُمْ عَمِيدُ الْمُلْكِ، وَقَعَدَ يَخْتَارُهَا، فَنُسِبَ ذَلِكَ إِلَى سُوءِ سِيرَتِهِ، وَفَسَادِ اخْتِيَارِهِ، وَشَتَّانَ بَيْنِ فِعْلِهِ وَفِعْلِ نِظَامِ الْمُلْكِ الَّذِي عَمَّرَ الْمَدَارِسَ، وَدَوَّنَ الْعِلْمَ فِي بِلَادِ الْإِسْلَامِ جَمِيعِهَا، وَوَقَفَ الْكُتُبَ وَغَيْرَهَا.

ذِكْرُ انْحِدَارِ السُّلْطَانِ إِلَى وَاسِطَ وَمَا فَعَلَ الْعَسْكَرُ وَإِصْلَاحُ دُبَيْسٍ.

فِي هَذِهِ السَّنَةِ انْحَدَرَ السُّلْطَانُ طُغْرُلْبِكْ إِلَى وَاسِطَ بَعْدَ فَرَاغِهِ مِنْ أَمْرِ بَغْدَاذَ فَرَآهَا قَدْ نُهِبَتْ، وَحَضَرَ عِنْدَهُ هَزَارَسِبُ بْنُ بِنْكِيرَ، وَأَصْلَحَ مَعَهُ حَالَ دُبَيْسِ بْنِ مَزْيَدٍ، وَأَحْضَرَهُ مَعَهُ إِلَى خِدْمَةِ السُّلْطَانِ، وَأَصْعَدَ فِي صُحْبَتِهِ إِلَى بَغْدَاذَ، وَكَذَلِكَ صَدَقَةُ بْنُ مَنْصُورِ بْنِ الْحُسَيْنِ، وَضَمِنَ وَاسِطًا أَبُو عَلِيِّ بْنُ فَضْلَانَ بِمِائَتَيْ أَلْفِ دِينَارٍ وَضَمِنَ الْبَصْرَةَ الْأَغَرُّ أَبُو سَعْدٍ سَابُورُ بْنُ الْمُظَفَّرِ، وَعَبَرَ السُّلْطَانُ إِلَى الْجَانِبِ الشَّرْقِيِّ مِنْ دِجْلَةَ، وَسَارَ إِلَى

طور بواسطة نورين ميديا © 2015