الْفِتْيَةُ، فَجَعَلَ يُخْبِرُهُمْ خَبَرَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ وَخَبَرَ الْآخِرَةِ حَتَّى آمَنُوا بِهِ وَصَدَّقُوهُ. فَكَانَ عَلَى ذَلِكَ حَتَّى جَاءَ ابْنُ الْمَلِكِ بِامْرَأَةٍ فَدَخَلَ بِهَا الْحَمَّامَ، فَعَيَّرَهُ الْحِوَارِيُّ فَاسْتَحْيَا، ثُمَّ رَجَعَ مَرَّةً أُخْرَى فَعَيَّرَهُ فَسَبَّهُ وَانْتَهَرَهُ وَدَخَلَ الْحَمَّامَ وَمَعَهُ الْمَرْأَةُ، فَمَاتَا فِي الْحَمَّامِ، فَقِيلَ لِلْمَلِكِ: إِنَّ الَّذِي بِالْحَمَّامِ قَتَلَهُمَا، فَطُلِبَ فَلَمْ يُوجَدْ، فَقِيلَ: مَنْ كَانَ يَصْحَبُهُ؟ فَذُكِرَ الْفِتْيَةُ، فَطُلِبُوا فَهَرَبُوا، فَمَرُّوا بِصَاحِبٍ لَهُمْ عَلَى حَالِهِمْ فِي زَرْعٍ لَهُ فَذَكَرُوا لَهُ أَمْرَهُمْ. فَسَارَ مَعَهُمْ وَتَبِعَهُمُ الْكَلْبُ الَّذِي لَهُ، حَتَّى آوَاهُمُ اللَّيْلُ إِلَى الْكَهْفِ، فَقَالُوا: نَبِيتُ هَهُنَا حَتَّى نُصْبِحَ ثُمَّ نَرَى رَأْيَنَا، فَدَخَلُوهُ فَرَأَوْا عِنْدَهُ عَيْنَ مَاءٍ وَثِمَارًا، فَأَكَلُوا مِنَ الثِّمَارِ وَشَرِبُوا مِنَ الْمَاءِ، فَلَمَّا جَنَّهُمُ اللَّيْلُ ضَرَبَ اللَّهُ عَلَى آذَانِهِمْ وَوَكَّلَ بِهِمْ مَلَائِكَةً يُقَلِّبُونَهُمْ ذَاتَ الْيَمِينِ وَذَاتَ الشِّمَالِ لِئَلَّا تَأْكُلَ الْأَرْضُ أَجْسَادَهُمْ، وَكَانَتِ الشَّمْسُ تَطْلُعُ عَلَيْهِمْ.

وَسَمِعَ الْمَلِكُ دِقْيَانُوسْ خَبَرَهُمْ فَخَرَجَ فِي أَصْحَابِهِ يَتْبَعُونَ أَثَرَهُمْ حَتَّى وَجَدَهُمْ قَدْ دَخَلُوا الْكَهْفَ، وَأَمَرَ أَصْحَابَهُ بِالدُّخُولِ إِلَيْهِمْ وَإِخْرَاجِهِمْ. فَكُلَّمَا أَرَادَ رَجُلٌ أَنْ يَدْخُلَ فَأُرْعِبَ فَعَادَ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ: أَلَيْسَ لَوْ كُنْتَ ظَفِرْتَ بِهِمْ قَتَلْتَهُمْ؟ قَالَ: بَلَى. قَالَ: فَابْنِ عَلَيْهِمْ بَابَ الْكَهْفِ وَدَعْهُمْ يَمُوتُوا جُوعًا وَعَطَشًا. فَفَعَلَ، فَبَقُوا زَمَانًا بَعْدَ زَمَانٍ.

ثُمَّ إِنَّ رَاعِيًا أَدْرَكَهُ الْمَطَرُ فَقَالَ: لَوْ فَتَحْتُ بَابَ هَذَا الْكَهْفِ فَأَدْخَلْتُ غَنَمِي فِيهِ، فَفَتَحَهُ، فَرَدَّ اللَّهُ إِلَيْهِمْ أَرْوَاحَهُمْ مِنَ الْغَدِ حِينَ أَصْبَحُوا، فَبَعَثُوا أَحَدَهُمْ بِوَرِقٍ لِيَشْتَرِيَ لَهُمْ طَعَامًا، وَاسْمُهُ تَمْلِيخَا، فَلَمَّا أَتَى بَابَ الْمَدِينَةِ رَأَى مَا أَنْكَرَهُ حَتَّى دَخَلَ عَلَى رَجُلٍ فَقَالَ: بِعْنِي بِهَذِهِ الدَّرَاهِمِ طَعَامًا. فَقَالَ: فَمِنْ أَيْنَ لَكَ هَذِهِ الدَّرَاهِمُ؟ قَالَ: خَرَجْتُ أَنَا وَأَصْحَابٌ لِي أَمْسِ ثُمَّ أَصْبَحُوا فَأَرْسَلُونِي. فَقَالَ: هَذِهِ الدَّرَاهِمُ كَانَتْ عَلَى عَهْدِ الْمَلِكِ الْفُلَانِيِّ. فَرَفَعَهُ إِلَى الْمَلِكِ، وَكَانَ مَلِكًا صَالِحًا، فَسَأَلَهُ عَنْهَا، فَأَعَادَ عَلَيْهِ حَالَهُمْ. فَقَالَ الْمَلِكُ: أَيْنَ أَصْحَابُكَ؟ قَالَ: انْطَلِقُوا مَعِي. فَانْطَلَقُوا مَعَهُ حَتَّى أَتَوْا بَابَ الْكَهْفِ، فَقَالَ: دَعُونِي أَدْخُلْ إِلَى أَصْحَابِي قَبْلَكُمْ لِئَلَّا يَسْمَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَيَخَافُوا ظَنًّا مِنْهُمْ أَنَّ دِقْيَانُوسْ قَدْ عَلِمَ بِهِمْ، فَدَخَلَ عَلَيْهِمْ وَأَخْبَرَهُمُ الْخَبَرَ، فَسَجَدُوا شُكْرًا لِلَّهِ وَسَأَلُوهُ أَنْ يَتَوَفَّاهُمْ، فَاسْتَجَابَ لَهُمْ. فَضَرَبَ عَلَى أُذُنِهِ وَآذَانِهِمْ، وَأَرَادَ الْمَلِكُ الدُّخُولَ عَلَيْهِمْ فَكَانُوا كُلَّمَا دَخَلَ عَلَيْهِمْ رَجُلٌ أُرْعِبَ، فَلَمْ يَقْدِرُوا أَنْ يَدْخُلُوا عَلَيْهِمْ، فَعَادَ عَنْهُمْ، فَبَنَوْا عَلَيْهِمْ كَنِيسَةً يُصَلُّونَ فِيهَا.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015