ذِكْرُ مَا فَعَلَهُ الْحُسَيْنُ بْنُ الْحَسَنِ الْأَفْطَسُ بِمَكَّةَ وَالْبَيْعَةِ لِمُحَمَّدِ بْنِ جَعْفَرٍ

وَفِي هَذِهِ السَّنَةِ، فِي الْمُحَرَّمِ، نَزَعَ الْحُسَيْنُ كُسْوَةَ الْكَعْبَةِ، وَكَسَاهَا كُسْوَةً أُخْرَى، أَنْفَذَهَا أَبُو السَّرَايَا مِنَ الْكُوفَةِ، مِنَ الْقَزِّ، وَتَتَبَّعَ وَدَائِعَ بَنِي الْعَبَّاسِ وَأَتْبَاعَهُمْ وَأَخَذَهَا، وَأَخَذَ أَمْوَالَ النَّاسِ بِحُجَّةِ الْوَدَائِعِ، فَهَرَبَ النَّاسُ مِنْهُ، وَتَطَرَّقَ أَصْحَابُهُ إِلَى قَلْعِ شَبَابِيكِ الْحَرَمِ، وَأَخْذِ مَا عَلَى الْأَسَاطِينِ مِنَ الذَّهَبِ، وَهُوَ نَزْرٌ حَقِيرٌ، وَأَخْذِ مَا فِي خِزَانَةِ الْكَعْبَةِ، فَقَسَّمَهُ مَعَ كُسْوَتِهَا عَلَى أَصْحَابِهِ.

فَلَمَّا بَلَغَهُ قَتْلُ أَبِي السَّرَايَا، وَرَأَى تَغَيُّرَ النَّاسِ لِسُوءِ سِيرَتِهِ وَسِيرَةِ أَصْحَابِهِ، أَتَى هُوَ وَأَصْحَابُهُ إِلَى مُحَمَّدِ بْنِ جَعْفَرِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ بْنِ عَلِيٍّ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - وَكَانَ شَيْخًا مُحَبَّبًا لِلنَّاسِ، مُفَارِقًا لِمَا عَلَيْهِ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ بَيْتِهِ مِنْ قُبْحِ السِّيرَةِ، وَكَانَ يَرْوِي الْعِلْمَ عَنْ أَبِيهِ جَعْفَرٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَكَانَ النَّاسُ يَكْتُبُونَ عَنْهُ، وَكَانَ يُظْهِرُ زُهْدًا، فَلَمَّا أَتَوْهُ قَالُوا لَهُ: تَعْلَمُ مَنْزِلَتَكَ مِنَ النَّاسِ، فَهَلُمَّ نُبَايِعْ لَكَ بِالْخِلَافَةِ، فَإِنْ فَعَلْتَ لَمْ يَخْتَلِفْ عَلَيْكَ رَجُلَانِ.

فَامْتَنَعَ مِنْ ذَلِكَ، فَلَمْ يَزَلْ بِهِ ابْنُهُ عَلِيٌّ وَالْحُسَيْنُ بْنُ الْحَسَنِ الْأَفْطَسُ حَتَّى غَلَبَاهُ عَلَى رَأْيِهِ، وَأَجَابَهُمْ، وَأَقَامُوهُ فِي رَبِيعٍ الْأَوَّلِ، فَبَايَعُوهُ بِالْخِلَافَةِ، وَجَمَعُوا لَهُ النَّاسَ، فَبَايَعُوهُ طَوْعًا وَكَرْهًا، وَسَمَّوْهُ " أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ "، فَبَقِيَ شُهُورًا وَلَيْسَ لَهُ مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ، وَابْنُهُ عَلِيٌّ وَالْحُسَيْنُ بْنُ الْحَسَنِ وَجَمَاعَتُهُمْ أَسْوَأُ مَا كَانُوا سِيرَةً وَأَقْبَحُ فِعْلًا، فَوَثَبَ الْحُسَيْنُ بْنُ الْحَسَنِ عَلَى امْرَأَةٍ مِنْ بَنِي فِهْرٍ كَانْتْ جَمِيلَةً، وَأَرَادَهَا عَلَى نَفْسِهَا، فَامْتَنَعَتْ، فَأَخَافَ زَوْجَهَا، وَهُوَ مِنْ بَنِي مَخْزُومٍ، حَتَّى تَوَارَى عَنْهُ، ثُمَّ كَسَرَ بَابَ دَارِهَا، وَأَخَذَهَا إِلَيْهِ مُدَّةً ثُمَّ هَرَبَتْ مِنْهُ.

وَوَثَبَ عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ جَعْفَرٍ عَلَى غُلَامٍ أَمَرَدَ، وَهُوَ ابْنُ قَاضِي مَكَّةَ، يُقَالُ لَهُ إِسْحَاقُ بْنُ مُحَمَّدٍ، وَكَانَ جَمِيلًا، فَأَخَذَهُ قَهْرًا. فَلَمَّا رَأَى ذَلِكَ أَهْلُ مَكَّةَ وَمَنْ بِهَا مِنَ الْمُجَاوِرِينَ اجْتَمَعُوا بِالْحَرَمِ، وَاجْتَمَعَ مَعَهُمْ جَمْعٌ كَثِيرٌ، فَأَتَوْ مُحَمَّدَ بْنَ جَعْفَرٍ، فَقَالُوا لَهُ: لَنَخْلَعَنَّكَ، أَوْ لَنَقْتُلَنَّكَ، أَوْ لَتَرُدَنَّ إِلَيْنَا هَذَا الْغُلَامَ! فَأَغْلَقَ بَابَهُ وَكَلَّمَهُمْ مِنْ شُبَّاكٍ، وَطَلَبَ مِنْهُمُ الْأَمَانَ لِيَرْكَبَ إِلَى ابْنِهِ وَيَأْخُذَ الْغُلَامَ، وَحَلَفَ لَهُمْ أَنَّهُ لَمْ يَعْلَمْ بِذَلِكَ، فَأَمَّنُوهُ،

طور بواسطة نورين ميديا © 2015