وَبَعَثَ إِلَى عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ زِيَادٍ يَأْمُرُهُ بِالْمَسِيرِ إِلَى الْمَدِينَةِ وَمُحَاصَرَةِ ابْنِ الزُّبَيْرِ بِمَكَّةَ فَقَالَ: وَاللَّهِ لَا جَمَعْتَهُمَا لِلْفَاسِقِ، قَتْلَ ابْنِ رَسُولِ اللَّهِ وَغَزْوَ الْكَعْبَةِ. ثُمَّ أَرْسَلَ إِلَيْهِ يَعْتَذِرُ.

فَبَعَثَ إِلَى مُسْلِمِ بْنِ عُقْبَةَ الْمُرِّيِّ، وَهُوَ الَّذِي سُمِّيَ مُسْرِفًا، وَهُوَ شَيْخٌ كَبِيرٌ مَرِيضٌ، فَأَخْبَرَهُ الْخَبَرَ، فَقَالَ: أَمَا يَكُونُ بَنُو أُمَيَّةَ أَلْفَ رَجُلٍ؟ فَقَالَ الرَّسُولُ: بَلَى.

قَالَ: فَمَا اسْتَطَاعُوا أَنْ يُقَاتِلُوا سَاعَةً مِنَ النَّهَارِ! لَيْسَ هَؤُلَاءِ بِأَهْلٍ أَنْ يُنْصَرُوا فَإِنَّهُمُ الْأَذِلَّاءُ، دَعْهُمْ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ حَتَّى يُجْهِدُوا أَنْفُسَهُمْ فِي جِهَادِ عَدُوِّهِمْ وَيَتَبَيَّنَ لَكَ مَنْ يُقَاتِلُ عَلَى طَاعَتِكَ وَمَنْ يَسْتَسْلِمُ.

قَالَ: وَيْحَكَ! إِنَّهُ لَا خَيْرَ فِي الْعَيْشِ بَعْدَهُمْ، فَاخْرُجْ بِالنَّاسِ.

وَقِيلَ: إِنَّ مُعَاوِيَةَ قَالَ لِيَزِيدَ: إِنَّ لَكَ مِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ يَوْمًا، فَإِنْ فَعَلُوا فَارْمِهِمْ بِمُسْلِمِ بْنِ عُقْبَةَ، فَإِنَّهُ رَجُلٌ قَدْ عَرَفْتُ نَصِيحَتَهُ.

فَلَمَّا خَلَعَ أَهْلُ الْمَدِينَةِ أَمَرَ مُسْلِمًا بِالْمَسِيرِ إِلَيْهِمْ، فَنَادَى فِي النَّاسِ بِالتَّجَهُّزِ إِلَى الْحِجَازِ وَأَنْ يَأْخُذُوا عَطَاءَهُمْ وَمَعُونَةً مِائَةَ دِينَارٍ، فَانْتُدِبَ لِذَلِكَ اثْنَا عَشَرَ أَلْفًا، وَخَرَجَ يَزِيدُ يَعْرِضُهُمْ وَهُوَ مُتَقَلِّدٌ سَيْفًا مُتَنَكِّبٌ قَوْسًا عَرَبِيَّةً، وَهُوَ يَقُولُ:

أَبْلِغْ أَبَا بَكْرٍ إِذَا اللَّيْلُ سَرَى ... وَهَبَطَ الْقَوْمُ عَلَى وَادِي الْقُرَى

أَجَمْعَ سَكْرَانَ مِنَ الْقَوْمِ تَرَى ... أَمْ جَمْعَ يَقْظَانَ نَفَى عَنْهُ الْكَرَى

يَا عَجَبًا مِنْ مُلْحِدٍ يَا عَجَبَا ... مُخَادِعٍ بِالدِّينِ يَعْفُو بِالْعَرَى

وَسَارَ الْجَيْشُ وَعَلَيْهِمْ مُسْلِمٌ، فَقَالَ لَهُ يَزِيدُ: إِنْ حَدَثَ بِكَ حَدَثٌ فَاسْتَخْلِفِ الْحُصَيْنَ بْنَ نُمَيْرٍ السَّكُونِيَّ، وَقَالَ لَهُ: ادْعُ الْقَوْمَ ثَلَاثًا، فَإِنْ أَجَابُوكَ وَإِلَّا فَقَاتِلْهُمْ، فَإِذَا ظَهَرْتَ عَلَيْهِمْ فَانْهَبْهَا ثَلَاثًا، فَكُلُّ مَا فِيهَا مِنْ مَالٍ أَوْ دَابَّةٍ أَوْ سِلَاحٍ أَوْ طَعَامٍ فَهُوَ لِلْجُنْدِ، فَإِذَا مَضَتِ الثَّلَاثُ فَاكْفُفْ عَنِ النَّاسِ، وَانْظُرْ عَلِيَّ بْنَ الْحُسَيْنِ فَاكْفُفْ عَنْهُ وَاسْتَوْصِ بِهِ خَيْرًا، فَإِنَّهُ لَمْ يَدْخُلْ مَعَ النَّاسِ، وَإِنَّهُ قَدْ أَتَانِي كِتَابُهُ.

وَقَدْ كَانَ مَرْوَانُ بْنُ الْحَكَمِ كَلَّمَ ابْنَ عُمَرَ لَمَّا أَخْرَجَ أَهْلُ الْمَدِينَةِ عَامِلَ يَزِيدَ وَبَنِي أُمَيَّةَ فِي أَنْ يُغَيِّبَ أَهْلَهُ عِنْدَهُ، فَلَمْ يَفْعَلْ، فَكَلَّمَ عَلِيَّ بْنَ الْحُسَيْنِ، فَقَالَ: إِنَّ لِي حُرَمًا

طور بواسطة نورين ميديا © 2015