فصل:

ويجوز للمعتكف الأكل في المسجد، ويضع سفرة أو غيرها يسقط عليها ما يقع منه كيلا يتلوث المسجد، ويغسل يده في طست ليفرغ خارج المسجد، ولا يجوز له الخروج لغسل يديه؛ لأنه خروج لما له منه بد، وله أن يتنظف ويرجل شعره ويغسله؛ لأن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كان يفعله وهو معتكف، وله أن يتطيب ويلبس رفيع الثياب؛ لأن هذه عبادة لا تحرم اللباس، فلا تحرم ذلك كالصوم، وله أن يتزوج ويشهد النكاح لذلك، وله أن يحدث غيره ويأمر بحاجته؛ لما «روت صفية - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا -: أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كان معتكفاً فأتيته أزوره ليلاً، فحدثته ثم قمت لأنقلب فقام معي ليقلبني.» متفق عليه.

فصل:

ويستحب له التشاغل بالصلاة والذكر وتلاوة القرآن، واجتناب ما لا يعنيه من الأقوال والأفعال، فإن من حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه، ويجتنب الجدال والمراء والسباب والفحش والإكثار من الكلام، فإن ذلك مكروه في غير الاعتكاف، ففي الاعتكاف الذي هو استشعار بطاعة الله تعالى ولزوم عبادته وبيته، أولى، ولا يبطل الاعتكاف بشيء من ذلك لأنه لما لم يبطل بمباح الكلام؛ لم يبطل بمحرمه كالصوم.

فصل:

فأما التزام الصمت فليس من شريعة الإسلام لما روى قيس بن مسلم قال: دخل أبو بكر الصديق - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - على امرأة من أحمس، فرآها لا تتكلم، فقال: ما لها لا تتكلم؟ فقالوا: حجت مصمتة، فقال لها: تكلمي فإن هذا لا يحل، هذا من عمل الجاهلية، فتكلمت. رواه البخاري. وعن علي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أنه قال: «لا صمات يوم إلى الليل» رواه أبو داود. فإن نذر ذلك فهو كنذر المعاصي على ما سيأتي.

قال ابن عقيل: ولا يجوز جعل القرآن بدلاً من الكلام؛ لأنه استعمال له في غير ما هو له، فهو كتوسد المصحف، وقد جاء: لا يناظر بكتاب الله. أي: لا يتكلم به عند الشيء تراه، كأن ترى رجلاً جاء في وقته فتقول: وجئت على قدر يا موسى. وذكر أبو عبيد نحو هذا.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015