لا انفصال بين توحيد الألوهية وتوحيد الحاكمية

قال تعالى: «قُلْ: هَلُمَّ شُهَداءَكُمُ الَّذِينَ يَشْهَدُونَ أَنَّ اللَّهَ حَرَّمَ هذا، فَإِنْ شَهِدُوا فَلا تَشْهَدْ مَعَهُمْ. وَلا تَتَّبِعْ أَهْواءَ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا وَالَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ، وَهُمْ بِرَبِّهِمْ يَعْدِلُونَ» .. ونرى من الآية إلى جانب وحدة المشهد والعبارة واللفظ، أن الذين يزاولون هذه التشريعات هم الذين يتبعون أهواءهم. وهم الذين كذبوا بآيات اللّه. وهم الذين لا يؤمنون بالآخرة. فلو أنهم صدقوا بآيات اللّه وآمنوا بالآخرة واتبعوا هدى اللّه ما شرعوا لأنفسهم وللناس من دون اللّه. وما حرموا وحللوا بغير إذن من اللّه.

وفي نهاية الشوط يدعوهم ليبين لهم ما حرمه اللّه حقا .. وهنا نرى جملة من المبادئ الأساسية للحياة الاجتماعية، في مقدمتها توحيد اللّه. وبعضها أوامر وتكاليف ولكن التحريمات أغلب، فجعلها عنوانا للكل: لقد نهى اللّه عن الشرك. وأمر بالإحسان للوالدين. ونهى عن قتل الأولاد من الفقر مع طمأنتهم على الرزق.

ونهى عن القرب من الفواحش ما ظهر منها وما بطن. ونهى عن قتل النفس التي حرم اللّه إلا بالحق. ونهى عن مس مال اليتيم إلا بالتي هي أحسن حتى يبلغ أشده. وأمر بإيفاء الكيل والميزان بالقسط. وأمر بالعدل في القول - في الشهادة والحكم - ولو كان ذا قربى. وأمر بالوفاء بعهد اللّه كله. وجعل هذا جميعه وصية من اللّه كررها عقب كل جملة من الأوامر والنواهي.

هذا الحشد كله الذي يتضمن قاعدة العقيدة ومبادئ الشريعة اللتين تتجمعان هذا التجمع في السياق، وتمتزجان هذا الامتزاج وتعرضان جملة واحدة، وكتلة واحدة، بصورة لا تخفى دلالتها على من يطالع هذا القرآن على النهج الذي بيناه .. هذا الحشد كله يقال عنه في نهاية الشوط الطويل: «وَأَنَّ هذا صِراطِي مُسْتَقِيماً فَاتَّبِعُوهُ، وَلا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ. ذلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ» ..

وذلك لإبراز تلك الدلالة المستفادة من السياق كله وصوغها في تقرير واحد واضح حاسم:

طور بواسطة نورين ميديا © 2015