ثم إنهم لا يضمرون هذا الحقد لأشخاصكم ولا يتبعون تلك الخطة المنكرة معكم بذواتكم .. إنهم يضطغنون الحقد لكل مؤمن ويتبعون هذا المنكر مع كل مسلم .. إنهم يوجهون حقدهم وانتقامهم لهذه الصفة التي أنتم عليها .. للإيمان ذاته .. كما هو المعهود في كل أعداء الصفوة الخالصة من أهل هذا الدين، على مدار التاريخ والقرون .. فكذلك قال السحرة لفرعون وهو يتوعدهم بأشد أنواع التعذيب والتنكيل والتقتيل: «وَما تَنْقِمُ مِنَّا إِلَّا أَنْ آمَنَّا بِآياتِ رَبِّنا لَمَّا جاءَتْنا» .. وكذلك قال رسول اللّه - صلى الله عليه وسلم - لأهل الكتاب بتوجيه من ربه: «قل: يا أهل الكتاب هل تنقمون منا إلا أن آمنا باللّه؟» وقال سبحانه عن أصحاب الأخدود الذين أحرقوا المؤمنين: «وَما نَقَمُوا مِنْهُمْ إِلَّا أَنْ يُؤْمِنُوا بِاللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ».فالإيمان هو سبب النقمة، ومن ثم هم يضطغنون الحقد لكل مؤمن، ولا يراعون فيه عهدا ولا يتذممون من منكر: «لا يَرْقُبُونَ فِي مُؤْمِنٍ إِلًّا وَلا ذِمَّةً، وَأُولئِكَ هُمُ الْمُعْتَدُونَ» ..

فصفة الاعتداء أصيلة فيهم .. تبدأ من نقطة كرههم للإيمان ذاته وصدودهم عنه وتنتهي بالوقوف في وجهه وتربصهم بالمؤمنين وعدم مراعاتهم لعهد معهم ولا صلة، إذا هم ظهروا عليهم وأمنوا بأسهم وقوتهم. وعندئذ يفعلون بهم الأفاعيل غير مراعين لعهد قائم، ولا متحرجين ولا متذممين من منكر يأتونه معهم .. وهم آمنون .. !

ثم يبين اللّه كيف يقابل المؤمنون هذه الحال الواقعة من المشركين: «فَإِنْ تابُوا وَأَقامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكاةَ فَإِخْوانُكُمْ فِي الدِّينِ، وَنُفَصِّلُ الْآياتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ. وَإِنْ نَكَثُوا أَيْمانَهُمْ مِنْ بَعْدِ عَهْدِهِمْ وَطَعَنُوا فِي دِينِكُمْ فَقاتِلُوا أَئِمَّةَ الْكُفْرِ إِنَّهُمْ لا أَيْمانَ لَهُمْ لَعَلَّهُمْ يَنْتَهُونَ» ..

إن المسلمين يواجهون أعداء يتربصون بهم ولا يقعد هؤلاء الأعداء عن الفتك بالمسلمين بلا شفقة ولا رحمة إلا عجزهم عن ذلك. لا يقعدهم عهد معقود، ولا ذمة مرعية، ولا تحرج من مذمة، ولا إبقاء على صلة .. ووراء هذا التقرير تاريخ طويل، يشهد كله بأن هذا هو الخط الأصيل الذي لا ينحرف إلا لطارئ زائل، ثم يعود فيأخذ طريقه المرسوم! هذا التاريخ الطويل من الواقع العملي بالإضافة إلى طبيعة المعركة المحتومة بين منهج اللّه الذي يخرج

طور بواسطة نورين ميديا © 2015