لَهُ إلَّا بِتَمَامِ الْعَمَلِ.

وَالْأَجِيرُ عَلَى الْبَيْعِ إذَا تَمَّ الْأَجَلُ وَلَمْ يَبِعْ وَجَبَ لَهُ جَمِيعُ الْأَجْرِ، وَإِنْ بَاعَ فِي نِصْفِ الْأَجَلِ فَلَهُ

ـــــــــــــــــــــــــــــQنَزَلُوا عَلَى حَيٍّ مِنْ الْعَرَبِ فَاسْتَضَافُوهُمْ فَلَمْ يُضَيِّفُوهُمْ، فَلُدِغَ سَيِّدُ ذَلِكَ الْحَيِّ فَسَعَوْا لَهُ بِكُلِّ شَيْءٍ فَلَمْ يَنْفَعْهُ شَيْءٌ فَقَالَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ: لَوْ أَتَيْتُمْ هَؤُلَاءِ الرَّهْطَ الَّذِينَ نَزَلُوا عِنْدَنَا لَعَلَّ أَنْ يَكُونَ عِنْدَ بَعْضِهِمْ شَيْءٌ، فَأَتَوْهُمْ فَقَالُوا لَهُمْ: إنَّ سَيِّدَنَا لُدِغَ وَقَدْ سَعَيْنَا لَهُ بِكُلِّ شَيْءٍ فَلَمْ يَنْفَعْهُ فَهَلْ عِنْدَ أَحَدٍ مِنْكُمْ شَيْءٌ؟ فَقَالَ بَعْضُهُمْ: نَعَمْ وَاَللَّهِ إنِّي لَأَرْقِي وَلَكِنْ قَدْ اسْتَضَفْنَاكُمْ فَلَمْ تُضَيِّفُونَا فَمَا أَنَا بِرَاقٍ حَتَّى تَجْعَلُوا لِي جُعْلًا فَصَالَحُوهُمْ عَلَى قَطِيعٍ مِنْ الْغَنَمِ، فَانْطَلَقَ يَتْفِلُ عَلَيْهِ وَيَقْرَأُ الْحَمْدُ لِلَّهِ أَيْ الْفَاتِحَةَ فَكَأَنَّمَا نُشِطَ مِنْ عِقَالٍ يَمْشِي، وَمَا بِهِ قَلَبَةٌ أَيْ عِلَّةٌ فَأَوْفَوْهُمْ جُعْلَهُمْ.

فَقَوْلُهُ فِي الْحَدِيثِ: «حَتَّى تَجْعَلُوا لِي جُعْلًا» يَرُدُّ عَلَى مَنْ نَظَرَ فِي الِاسْتِدْلَالِ بِقَضِيَّةِ الرَّهْطِ؛ لِجَوَازِ أَنْ يَكُونَ إقْرَارُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إيَّاهُمْ عَلَى ذَلِكَ لِاسْتِحْقَاقِهِمْ إيَّاهُ بِالضِّيَافَةِ، كَمَا يَرُدُّهُ قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «، وَمَا يُدْرِيك أَنَّهَا رُقْيَةٌ» مَعَ قَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إنَّ أَحَقَّ مَا أَخَذْتُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا كِتَابُ اللَّهِ» فَإِنَّ هَذَا يَقْتَضِي أَنَّ مَا أَخَذُوهُ فِي نَظِيرِ الرُّقْيَةِ لَا الضِّيَافَةِ، وَقَدْ مَضَى عَمَلُ الْمُسْلِمِينَ عَلَى ذَلِكَ فِي سَائِرِ الْأَقْطَارِ عَلَى تَوَالِي الْأَعْصَارِ.

1 -

وَالْمُصَنِّفُ لَمْ يَذْكُرْ أَرْكَانَهُ، وَهِيَ أَرْبَعٌ: الْعَاقِدَانِ وَالْعَمَلُ وَالْعِوَضُ، وَأَشَارَ لَهَا خَلِيلٌ بِقَوْلِهِ: صِحَّةُ الْجُعْلِ بِالْتِزَامِ أَهْلِ الْإِجَارَةِ جُعْلًا عَلَى مَا يَسْتَحِقُّهُ السَّامِعُ بِالتَّمَامِ، فَشَرْطُ الْعَاقِدِ التَّأَهُّلُ لِعَقْدِ الْإِجَارَةِ صِحَّةً وَلُزُومًا، وَشَرْطُ الْجُعْلِ بِمَعْنَى الْعِوَضِ أَنْ يَكُونَ مِمَّا يَصِحُّ كَوْنُهُ أُجْرَةً، وَأَمَّا الْعَمَلُ الْمُجَاعَلُ عَلَيْهِ فَبَعْضُهُ تَصِحُّ فِيهِ الْإِجَارَةُ وَذَلِكَ كَحَفْرِ بِئْرٍ فِي أَرْضٍ مَوَاتٍ؛ لِأَنَّهُ إنْ عُيِّنَ فِيهَا مِقْدَارٌ مَخْصُوصٌ مِنْ الْأَذْرُعِ كَانَ إجَارَةً، وَإِنْ عَاقَدَهُ عَلَى إخْرَاجِ الْمَاءِ كَانَ جُعْلًا، وَبَعْضُهُ مِمَّا لَا تَصِحُّ فِيهِ الْإِجَارَةُ وَذَلِكَ كَالْمُعَاقَدَةِ عَلَى إحْضَارِ عَبْدٍ آبِقٍ أَوْ بَعِيرٍ شَارِدٍ وَنَحْوِهِمَا مِنْ كُلِّ مَا يُجْهَلُ فِيهِ الْعَمَلُ، وَبَعْضُهُ لَا تَصِحُّ فِيهِ الْجَعَالَةُ وَتَتَعَيَّنُ الْإِجَارَةُ، وَذَلِكَ كَالْمُعَاقَدَةِ عَلَى عَمَلٍ فِي أَرْضٍ مَمْلُوكَةٍ لِلْجَاعِلِ كَحَفْرِ بِئْرٍ فِي أَرْضٍ مَمْلُوكَةٍ لَهُ؛ لِأَنَّهُ عَلَى تَقْدِيرِ عَدَمِ تَمَامِ الْعَمَلِ يَذْهَبُ عَمَلُهُ بَاطِلًا مَعَ انْتِفَاعِ الْجَاعِلِ بِعَمَلِهِ، فَبَيْنَ الْإِجَارَةِ وَالْجُعْلِ الْعُمُومُ وَالْخُصُوصُ الْوَجْهِيُّ عَلَى التَّحْقِيقِ، خِلَافًا لِظَاهِرِ خَلِيلٍ فِي قَوْلِهِ: فِي كُلِّ مَا تَجُوزُ فِيهِ الْإِجَارَةُ.

وَلَمَّا كَانَ شَرْطُ الْجُعْلِ عَدَمَ تَقْدِيرِ زَمَنٍ لِلْعَمَلِ قَالَ: (وَلَا يُضْرَبُ فِي الْجُعْلِ أَجَلٌ) أَيْ يَحْرُمُ أَنْ يُقَدَّرَ زَمَنٌ مُعَيَّنٌ (فِي رَدِّ) رَقِيقٍ (آبِقٍ أَوْ بَعِيرٍ شَارِدٍ أَوْ حَفْرِ بِئْرٍ) فِي أَرْضٍ مَوَاتٍ جَاعَلَهُ عَلَى إخْرَاجِ مَائِهَا. (أَوْ) فِي (بَيْعِ ثَوْبٍ وَنَحْوِهِ) ، وَإِنَّمَا لَمْ يَجُزْ ذَلِكَ لِمَا فِيهِ مِنْ زِيَادَةِ الْغَرَرِ، إذْ رُبَّمَا يَنْقَضِي الْأَجَلُ قَبْلَ تَمَامِ الْعَمَلِ فَيَذْهَبُ عَمَلُهُ بَاطِلًا، أَوْ يَتِمُّ الْعَمَلُ قَبْلَ انْقِضَائِهِ فَيَأْخُذُ مَا لَا يَسْتَحِقُّهُ؛ لِأَنَّهُ يَأْخُذُ الْجُعْلَ كَامِلًا؛ لِتَمَامِ الْعَمَلِ وَيَسْقُطُ عَنْهُ الْعَمَلُ فِي بَقِيَّةِ الْأَجَلِ، إلَّا أَنْ يَكُونَ الْعَامِلُ شَرَطَ عَلَى الْجَاعِلِ التَّرْكَ مَتَى شَاءَ فَإِنَّهُ يَجُوزُ ضَرْبُ الْأَجَلِ حِينَئِذٍ.

قَالَ خَلِيلٌ: بِلَا تَقْدِيرِ زَمَنٍ إلَّا بِشَرْطِ تَرْكِهِ مَتَى شَاءَ، وَلَا يُقَالُ: شَأْنُ الْجُعْلِ أَنَّ لِلْعَامِلِ فِيهِ التَّرْكَ مَتَى شَاءَ فَلِمَ امْتَنَعَ مَعَ تَقْدِيرِ الزَّمَنِ مِنْ غَيْرِ اشْتِرَاطِ تَخْيِيرٍ فِي التَّرْكِ وَجَازَ مَعَ الِاشْتِرَاطِ؟ . لِأَنَّا نَقُولُ: الْمَجْعُولُ لَهُ عِنْدَ عَدَمِ الشَّرْطِ دَخَلَ عَلَى التَّمَامِ فَغَرَرُهُ قَوِيٌّ، وَإِنْ كَانَ لَهُ التَّرْكُ مَتَى شَاءَ وَعِنْدَ الشَّرْطِ يَخِفُّ غَرَرُهُ لِدُخُولِهِ ابْتِدَاءً عَلَى التَّخْيِيرِ.

(تَنْبِيهَاتٌ) الْأَوَّلُ: كَمَا لَا يَجُوزُ ضَرْبُ الْأَجَلِ فِي عَقْدِ الْجُعْلِ لَا يَجُوزُ شَرْطُ نَقْدِ الْعِوَضِ، وَإِذَا وَقَعَ ضَرْبُ الْأَجَلِ فِي عَقْدِهِ أَوْ شُرِطَ نَقْدُ الْعِوَضِ فَسَدَ وَلَوْ لَمْ يَحْصُلْ نَقْدٌ، وَيَجِبُ فِيهِ إنْ تَمَّ الْعَمَلُ جُعْلُ الْمِثْلِ، وَإِلَّا فَلَا شَيْءَ لَهُ إلَّا أَنْ يَقَعَ الْعَقْدُ عَلَى أَنَّ لَهُ الْجُعْلَ، وَإِنْ لَمْ يَتِمَّ الْعَمَلُ فَيَكُونُ فِيهِ أُجْرَةُ الْمِثْلِ.

قَالَ خَلِيلٌ: وَفِي الْفَاسِدِ جُعْلُ مِثْلِهِ إلَّا بِجُعْلٍ مُطْلَقًا فَأُجْرَتُهُ.

الثَّانِي: قَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ الْجَعَالَةَ كَالْإِجَارَةِ فِي الْعَاقِدِ وَالْعِوَضِ، إلَّا أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ إيقَاعُ الْعَقْدِ فِيهِ مِنْ الْجَانِبَيْنِ، بَلْ يَسْتَحِقُّ الْعَامِلُ الْجُعْلَ، وَإِنْ لَمْ يُعَاقِدْهُ رَبُّ الشَّيْءِ.

قَالَ خَلِيلٌ: وَلِمَنْ لَمْ يَسْمَعْ جُعْلَ مِثْلِهِ إنْ اعْتَادَهُ، وَالضَّابِطُ أَنَّهُ مَتَى أَحْضَرَ الْعَبْدَ الْآبِقَ مَنْ اعْتَادَ ذَلِكَ وَجَبَ لَهُ الْجُعْلُ، سَوَاءٌ وَقَعَ مِنْ رَبِّهِ الِالْتِزَامُ أَوْ لَمْ يَقَعْ، وَأَمَّا لَوْ أَتَى بِهِ مَنْ لَا عَادَةَ لَهُ بِطَلَبِ الْإِبَاقِ فَإِنَّمَا لَهُ مَا أَنْفَقَهُ عَلَى الْآبِقِ مِنْ أَكْلٍ وَشُرْبٍ وَلِبَاسٍ لَا نَفَقَتُهُ عَلَى نَفْسِهِ فَإِنَّهَا عَلَى نَفْسِهِ لَا عَلَى رَبِّ الْآبِقِ.

الثَّالِثُ: يُشْتَرَطُ فِي صِحَّةِ الْجُعْلِ إذَا كَانَ الْمُجَاعَلُ عَلَيْهِ عَبْدًا آبِقًا أَوْ بَعِيرًا شَارِدًا جُهِلَ مَكَانُهُ، فَإِنْ عَلِمَا أَوْ أَحَدُهُمَا مَكَانَهُ فُسِخَ الْعَقْدُ، فَإِنْ تَمَّ الْعَمَلُ فَإِنْ كَانَ الْعَالِمُ الْجَاهِلَ وَالْجَاهِلُ الْعَامِلَ فَلَهُ الْأَكْثَرُ مِنْ الْجُعْلِ وَأُجْرَةِ مِثْلِهِ، وَإِنْ انْفَرَدَ الْمَجْعُولُ لَهُ بِالْعِلْمِ فَلَا شَيْءَ، وَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ فِي الْعُتْبِيَّةِ لَهُ بِقَدْرِ تَعَبِهِ، وَالْقَوْلُ لِمَنْ ادَّعَى عَدَمَ الْعِلْمِ مِنْهُمَا. الرَّابِعُ: لَوْ أَعْطَى شَخْصٌ غَيْرَهُ ثَوْبًا لِيَبِيعَهُ وَقَالَ لَهُ: لَا تَبِعْهُ حَتَّى تُشَاوِرنِي لَمْ يَجُزْ إنْ ضَرَبَا لِلْبَيْعِ أَجَلًا؛ لِأَنَّ الْجُعْلَ يَفْسُدُ بِضَرْبِ الْأَجَلِ كَمَا تَقَدَّمَ، وَالْوَاجِبُ فِيهِ تَسْمِيَةُ الثَّمَنِ وَالتَّفْوِيضُ إلَى الْبَائِعِ فِي بَيْعِهِ مَتَى شَاءَ.

وَلَمَّا كَانَ يُتَوَهَّمُ مِنْ كَوْنِ عَاقِدِ الْجُعْلِ كَعَاقِدِ الْإِجَارَةِ تَبْعِيضُ الْعِوَضِ كَالْأُجْرَةِ قَالَهُ: (وَلَا شَيْءَ لَهُ) أَيْ لِلْعَامِلِ (إلَّا بِتَمَامِ الْعَمَلِ) لِوُرُودِ النَّصِّ بِذَلِكَ قَالَ - تَعَالَى -: {وَلِمَنْ جَاءَ بِهِ حِمْلُ بَعِيرٍ} [يوسف: 72] فَإِنَّ مَفْهُومَهُ أَنَّهُ إنْ لَمْ يَأْتِ بِهِ لَا شَيْءَ لَهُ، وَأَمَّا إنْ تَمَّ

طور بواسطة نورين ميديا © 2015