وَذَلِكَ إذَا رَكَنَا وَتَقَارَبَا لَا فِي أَوَّلِ التَّسَاوُمِ.

وَالْبَيْعُ يَنْعَقِدُ بِالْكَلَامِ، وَإِنْ لَمْ يَفْتَرِقْ الْمُتَبَايِعَانِ.

وَالْإِجَارَةُ جَائِزَةٌ.

إذَا ضَرَبَا

ـــــــــــــــــــــــــــــQأَبَيْتُ أَسْرِي وَتَبِيتِي تُدَلِّكِي ... وَجْهَك بِالْعَنْبَرِ وَالْمِسْكِ الزَّكِيّ

«وَقَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: كَمَا تَكُونُوا يُوَلَّى عَلَيْكُمْ» وَلَمَّا كَانَ يُتَوَهَّمُ أَنَّ الدَّابَّةَ كَالثَّوْبِ قَالَ: (وَكَذَلِكَ) لَا يَجُوزُ شِرَاءُ (الدَّابَّةِ) سَوَاءٌ كَانَتْ مَأْكُولَةَ اللَّحْمِ أَمْ لَا. (فِي لَيْلٍ) مُقْمِرٍ وَأَوْلَى (مُظْلِمٍ) عَلَى مَا عَلَيْهِ ابْنُ الْقَاسِمِ، وَأَمَّا أَشْهَبُ فَفَصَّلَ بَيْنَ مَا يُؤْكَلُ لَحْمُهُ فَيَجُوزُ شِرَاؤُهُ بِاللَّيْلِ حَيْثُ كَانَ الْمَقْصُودُ لَحْمَهُ؛ لِأَنَّهُ يُمْكِنُ اخْتِبَارُهُ بِاللَّيْلِ فَلَا يَجُوزُ شِرَاؤُهُ بِاللَّيْلِ، وَالظَّاهِرُ أَنَّ شِرَاءَ الْحُوتِ وَنَحْوِهِ مِنْ الطُّيُورِ كَبَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ الَّتِي يُرَادُ مِنْهَا اللَّحْمُ، وَمُلَخَّصُ مَا فُهِمَ مِنْ كَلَامِ أَهْلِ الْمَذْهَبِ فِي الثِّيَابِ وَغَيْرِهَا أَنَّهُ إنْ عَلِمَ الْمَعْقُودَ عَلَيْهِ بَاطِنًا وَظَاهِرًا بِحَيْثُ لَا يَتَمَيَّزُ إدْرَاكُهُ لِلْمُتَعَاقِدَيْنِ فِي النَّهَارِ عَنْ إدْرَاكِهِ لَهُمَا فِي اللَّيْلِ جَازَ بَيْعُهُ، وَإِلَّا فَلَا، وَالْأَصْلُ فِي ذَلِكَ كُلِّهِ مَا فِي الصَّحِيحَيْنِ: «نَهَى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ لُبْسَتَيْنِ وَعَنْ بَيْعَتَيْنِ، وَنَهَى عَنْ الْمُلَامَسَةِ وَالْمُنَابَذَةِ فِي الْبَيْعِ» فَالْمُلَامَسَةُ هِيَ لُزُومُ الْمَبِيعِ بِلَمْسِ الرَّجُلِ ثَوْبَ الْآخَرِ بِيَدِهِ بِاللَّيْلِ أَوْ بِالنَّهَارِ وَلَا يُقَلِّبُهُ إلَّا بِذَلِكَ، وَالْمُنَابَذَةُ أَنْ يَنْبِذَ الرَّجُلُ ثَوْبَهُ لِآخَرَ وَلَا يَلْمِسَهُ وَلَا يَنْشُرَهُ بَلْ يَلْزَمُهُ الشِّرَاءُ بِمُجَرَّدِ طَرْحِهِ لَهُ مِنْ غَيْرِ إحَاطَةٍ بِحَالِهِ، وَاللُّبْسَتَانِ إحْدَاهُمَا اشْتِمَالُ الصَّمَّاءِ، وَهُوَ أَنْ يَجْعَلَ ثَوْبَهُ عَلَى أَحَدِ عَاتِقِيهِ فَيَبْدُو أَحَدُ شِقَّيْهِ لَيْسَ عَلَيْهِ ثَوْبٌ، وَاللُّبْسَةُ الثَّانِيَةُ اخْتِبَاؤُهُ بِثَوْبٍ لَيْسَ عَلَى فَرْجِهِ مِنْهُ شَيْءٌ، وَأَمَّا لَوْ وَقَعَ الْبَيْعُ فِي ذَلِكَ الْخِيَارِ لَجَازَ.

ثُمَّ ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ أَمْرًا مُشَارِكًا لِمَا قَبْلَهُ فِي النَّهْيِ بِقَوْلِهِ: (وَلَا يَسُومُ أَحَدٌ عَلَى سَوْمِ أَخِيهِ) أَيْ لَا يَجُوزُ أَنْ يَزِيدَ عَلَى الثَّمَنِ الَّذِي سَمَّاهُ غَيْرُهُ؛ لِأَنَّهُ يُورِثُ الْعَدَاوَةَ بَيْنَ صَاحِبِ الْعَطَاءِ الْأَوَّلِ وَالثَّانِي، وَقَدْ نَهَى - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ ذَلِكَ بِقَوْلِهِ: «لَا تَحَاسَدُوا وَلَا تَبَاغَضُوا وَكُونُوا عِبَادَ اللَّهِ إخْوَانًا» وَمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ بَعْضَ حَدِيثٍ وَلَفْظُهُ: «لَا يَبِعْ بَعْضُكُمْ عَلَى بَيْعِ بَعْضٍ وَلَا يَسُمْ عَلَى سَوْمِهِ» وَاخْتَلَفَ النَّاسُ فِي فَهْمِ الْحَدِيثِ، فَمِنْهُمْ مَنْ فَهِمَ أَنَّ السَّوْمَ وَالْبَيْعَ شَيْءٌ وَاحِدٌ، وَهُوَ الزِّيَادَةُ فِي الثَّمَنِ عَلَى عَطَاءِ الْغَيْرِ، وَمِنْهُمْ مَنْ فَهِمَ أَنَّهُمَا شَيْئَانِ فَالسَّوْمُ الزِّيَادَةُ فِي الثَّمَنِ، وَالْبَيْعُ مُتَعَلِّقٌ بِالثَّمَنِ الَّذِي هُوَ السِّلْعَةُ. وَمِثَالُهُ أَنْ يَحْضُرَ شَخْصٌ لِصَاحِبِ سِلْعَةٍ وَيُرِيدُ شِرَاءَهَا مِنْهُ فَيَأْتِي شَخْصٌ آخَرُ بِسِلْعَةٍ وَيَقُولُ لِمَنْ يُرِيدُ الشِّرَاءَ الْمَذْكُورَ: سِلْعَتِي هَذِهِ خَيْرٌ لَك مِنْ سِلْعَةِ فُلَانٍ الَّتِي أَرَدْت شِرَاءَهَا، وَأَنَا أَرْضَى مِنْك بِمَا أَعْطَيْت فِي سِلْعَةِ فُلَانٍ.

وَلَا شَكَّ فِي حُرْمَةِ هَذَا؛ لِأَنَّهُ يُؤَدِّي إلَى التَّبَاغُضِ، وَلَمَّا كَانَتْ حُرْمَةُ السَّوْمِ مَشْرُوطَةً بِمَا إذَا كَانَ الْبَائِعُ رَكَنَ إلَى الْمُشْتَرِي أَشَارَ إلَيْهِ بِقَوْلِهِ: (وَذَلِكَ) أَيْ وَمَحَلُّ حُرْمَةِ السَّوْمِ عَلَى سَوْمِ الْغَيْرِ (إذَا رَكَنَا) أَيْ الْمُتَعَاقِدَانِ أَيْ بَعْضُهَا إلَى بَعْضٍ، وَفَسَّرَ التَّرَاكُنَ بِقَوْلِهِ: (وَتَقَارَبَا) بِأَنْ مَالَ الْبَائِعُ إلَى الْبَيْعِ وَالْمُشْتَرِي إلَى الشِّرَاءِ بِحَيْثُ لَمْ يَبْقَ بَيْنَهُمَا إلَّا الْإِيجَابُ وَالْقَبُولُ بِاللَّفْظِ، فَحِينَئِذٍ لَا يَجُوزُ لِأَحَدٍ أَنْ يَزِيدَ عَلَى عَطَاءِ ذَلِكَ الْمُشْتَرِي أَوْ يَعْرِضَ لَهُ سِلْعَةً أُخْرَى يُرَغِّبُهُ فِيهَا حَتَّى يَعْرِضَ عَنْ الْأُولَى، وَهَذَا التَّقْيِيدُ مِنْ تَفْسِيرِ الرَّاسِخِينَ، وَبَيَانِ الْمُتَفَقِّهِينَ، فَقَدْ قَالَ مَالِكٌ فِي الْمُوَطَّإِ: وَتَفْسِيرُ قَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِيمَا تَرَى وَاَللَّهُ أَعْلَمُ: «لَا يَبِعْ بَعْضُكُمْ عَلَى بَيْعِ بَعْضٍ» أَنَّهُ إنَّمَا نَهَى عَنْ أَنْ يَسُومَ الرَّجُلُ عَلَى سَوْمِ أَخِيهِ إذَا رَكَنَ الْبَائِعُ إلَى السَّائِمِ وَجَعَلَ يَشْتَرِطُ وَزْنَ الدَّرَاهِمِ وَيَتَبَرَّأُ مِنْ الْعُيُوبِ، وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ مَا يُعْرَفُ بِهِ أَنَّ الْبَائِعَ رَكَنَ إلَى الْمُشْتَرِي، فَهَذَا الَّذِي نُهِيَ عَنْهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

وَبَيَّنَ مَفْهُومَ إذَا رَكَنَا بِقَوْلِهِ: (لَا مِنْ أَوَّلِ التَّسَاوُمِ) فَلَا يُنْهَى عَنْ ذَلِكَ فَقَدْ قَالَ مَالِكٌ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: أَمَّا قَبْلَ التَّرَاكُنِ وَالتَّقَارُبِ فَجَائِزٌ؛ لِأَنَّهُ لَوْ تَرَكَ ذَلِكَ لَدَخَلَ الضَّرَرُ عَلَى الْبَاعَةِ فِي سِلَعِهِمْ؛ لِأَنَّهُ يُؤَدِّي إلَى بَخْسِهَا وَبَيْعِهَا بِالنَّقْصِ، وَإِنَّمَا صَرَّحَ الْمُصَنِّفُ بِذَلِكَ، وَإِنْ فَهِمَ مِنْ التَّقْيِيدِ رَدًّا عَلَى مَنْ كَرِهَ التَّزَايُدَ فِي السِّلْعَةِ مُطْلَقًا مَخَافَةَ الْوُقُوعِ فِي النَّهْيِ الْمَذْكُورِ، وَإِنَّمَا يَجُوزُ السَّوْمُ عَلَى سَوْمِ الْغَيْرِ قَبْلَ التَّرَاكُنِ أَوْ أَرَادَ السَّائِمُ أَنْ يَشْتَرِيَهَا، وَأَمَّا لَوْ قَصَدَ بِسَوْمِهَا وَالزِّيَادَةِ فِي ثَمَنِهَا غُرُورَ الْغَيْرِ فَإِنَّهُ يَحْرُمُ لِأَنَّهُ يَكُونُ نَاجِشًا، وَقَدْ «نَهَى - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ ذَلِكَ بِقَوْلِهِ: وَلَا تَنَاجَشُوا»

1 -

(تَنْبِيهَاتٌ) الْأَوَّلُ: تَكَلَّمَ الْمُصَنِّفُ عَنْ النَّهْيِ الْمَذْكُورِ وَسَكَتَ عَمَّا لَوْ طَلَبَ مُرِيدُ الشِّرَاءِ مِنْ الْغَيْرِ الْكَفَّ عَنْ الْعَطَايَا فِي السِّلْعَةِ لِيَأْخُذَهَا بِرُخْصٍ وَحُكْمُهُ الْجَوَازُ.

قَالَ خَلِيلٌ: وَجَازَ سُؤَالُ الْبَعْضِ لِيَكُفَّ عَنْ الزِّيَادَةِ لَا الْجَمْعِ، وَلَا الْبَعْضِ الَّذِي هُوَ كَالْجَمْعِ فِي كَوْنِهِ مُقْتَدًى بِهِ، فَإِنْ خَالَفَ الْجَائِزَ وَسَأَلَ مَنْ لَا يَجُوزُ سُؤَالَهُ وَثَبَتَ ذَلِكَ بِبَيِّنَةٍ أَوْ إقْرَارٍ خُيِّرَ الْبَائِعُ فِي قِيَامِ السِّلْعَةِ رَدِّهَا وَعَدَمِهِ، فَإِنْ أَمْضَى بَيْعَهَا فَالْجَمِيعُ فِيهَا شُرَكَاءُ لِتَوَاطُئِهِمْ عَلَى تَرْكِ الزِّيَادَةِ زَادَتْ أَوْ نَقَصَتْ أَوْ تَلِفَتْ، وَلِلْمُبْتَاعِ أَنْ يُلْزِمَهُمْ الشَّرِكَةَ إنْ نَقَصَتْ أَوْ تَلِفَتْ، وَلَهُمْ الدُّخُولُ مَعَهُ قَهْرًا عَلَيْهِ إنْ زَادَتْ، وَلَا فَرْقَ فِي ذَلِكَ بَيْنَ كَوْنِهَا فِي سُوقِهَا أَمْ لَا، كَانَتْ لِلتِّجَارَةِ أَمْ لَا، وَإِنْ فَاتَتْ فَلَهُ الْأَكْثَرُ مِنْ الثَّمَنِ وَالْقِيمَةِ عَلَى الْمُبْتَاعِ مِنْ غَيْرِ اشْتِرَاكٍ.

الثَّانِي: اسْتَثْنَى بَعْضُ الشُّيُوخِ مِنْ النَّهْيِ عَنْ السَّوْمِ الْمَذْكُورِ سَوْمَ مَا يَبِيعُهُ الْحَاكِمُ بِالْخِيَارِ ثَلَاثًا مِنْ سِلَعِ الْمُفْلِسِ أَوْ مِنْ التَّرِكَةِ الَّتِي يَبِيعُهَا لِلْأَيْتَامِ، وَكَذَا مَا بِيعَ فِي الْمَغَانِمِ، وَغَيْرُ ذَلِكَ مِمَّا يَبِيعُهُ الْحَاكِمُ فَإِنَّهُ يَجُوزُ التَّزَايُدُ فِيهِ وَلَوْ كَانَ لِغَيْرٍ أَعْطَى فِيهِ وَحَصَلَ التَّرَاكُنُ؛ لِأَنَّ لِلْحَاكِمِ قَبُولَ الزِّيَادَةِ،

طور بواسطة نورين ميديا © 2015