بَابٌ فِي صَلَاةِ الْخَوْفِ، صَلَاةُ الْخَوْفِ فِي السَّفَرِ إذَا خَافُوا الْعَدُوَّ أَنْ يَتَقَدَّمَ الْإِمَامُ بِطَائِفَةٍ وَيَدَعَ طَائِفَةً مُوَاجِهَةً الْعَدُوَّ فَيُصَلِّي الْإِمَامُ بِطَائِفَةٍ رَكْعَةً ثُمَّ يَثْبُتُ قَائِمًا وَيُصَلُّونَ لِأَنْفُسِهِمْ رَكْعَةً ثُمَّ يُسَلِّمُونَ فَيَقِفُونَ مَكَانَ أَصْحَابِهِمْ ثُمَّ يَأْتِي أَصْحَابُهُمْ فَيُحْرِمُونَ

ـــــــــــــــــــــــــــــQ (بَابٌ فِي) كَيْفِيَّةِ فِعْلِ (صَلَاةِ) الْفَرْضِ فِي زَمَنِ (الْخَوْفِ) ؛ لِأَنَّ الْخَوْفَ لَيْسَ لَهُ صَلَاةٌ تَخُصُّهُ بِخِلَافِ الْعِيدِ، وَالْخَوْفُ وَالْخِيفَةُ ضِدُّ الْأَمْنِ، وَسَيَأْتِي لِلْمُصَنِّفِ التَّصْرِيحُ بِحُكْمِهَا فِي بَابِ جُمَلٍ حَيْثُ يَقُولُ: وَصَلَاةُ الْخَوْفِ سُنَّةٌ وَاجِبَةٌ وُجُوبَ السُّنَنِ، وَمِمَّنْ صَرَّحَ بِسُنِّيَّتِهَا ابْنُ يُونُسَ، وَلَا تَنَافِي بَيْنَ كَوْنِهَا سُنَّةً وَقَوْلُ خَلِيلٍ رُخْصَةٌ؛ لِأَنَّ الرُّخْصَةَ تَكُونُ وَاجِبَةً وَتَكُونُ سُنَّةً وَتَكُونُ مُبَاحَةً، وَخِلَافُ الْأَوْلَى وَمَكْرُوهَةٌ، فَالْوَاجِبَةُ كَأَكْلِ الْمَيْتَةِ لِلْمُضْطَرِّ، وَالسُّنَّةُ كَقَصْرِ الصَّلَاةِ، وَالْمُبَاحَةُ كَمَسْحِ الْخُفِّ عِنْدَ بَعْضِ الشُّيُوخِ، وَخِلَافُ الْأَوْلَى كَالْجَمْعِ بَيْنَ الصَّلَاتَيْنِ بِالْمَنْهَلِ عِنْدَ الزَّوَالِ، وَالْمَكْرُوهَةُ كَالْفِطْرِ لِلْمُسَافِرِ، وَلَمْ يُعَرِّفْهَا ابْنُ عَرَفَةَ وَلَا غَيْرُهُ، وَقَالَ الْبَدْرُ الْقَرَافِيُّ شَيْخُ الْأُجْهُورِيِّ: وَيُمْكِنُ رَسْمُهَا بِأَنَّهَا فِعْلُ فَرْضٍ مِنْ الْخَمْسِ وَلَوْ جُمُعَةً مَقْسُومًا فِيهِ الْمَأْمُومُونَ قِسْمَيْنِ مَعَ الْإِمْكَانِ وَمَعَ عَدَمِهِ، لَا قَسْمَ فِي قِتَالِ مَأْذُونٍ فِيهِ فَيَدْخُلُ قِتَالُ الْمُحَارِبِينَ وَكُلُّ قِتَالٍ جَائِزٌ، وَالدَّلِيلُ عَلَى ثُبُوتِ حُكْمِهَا وَأَنَّهَا غَيْرُ مَنْسُوخَةٍ الْكِتَابُ وَالسُّنَّةُ وَإِجْمَاعُ الْأُمَّةِ، أَمَّا الْكِتَابُ فَقَوْلُهُ تَعَالَى: {وَإِذَا كُنْتَ فِيهِمْ فَأَقَمْتَ لَهُمُ الصَّلاةَ} [النساء: 102] الْآيَةَ، وَأَمَّا السُّنَّةُ فَقَدْ وَرَدَ فِي ذَلِكَ أَحَادِيثُ صَحِيحَةٌ، وَأَمَّا الْإِجْمَاعُ فَقَدْ صَلَّاهَا بَعْدَ مَوْتِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - جَمْعٌ مِنْ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - مِنْ غَيْرِ نَكِيرٍ، فَالْحَاصِلُ أَنَّهَا مَشْرُوعَةٌ وَحُكْمُهَا بَاقٍ لَمْ يُنْسَخْ، وَدَعْوَى الْمُزَنِيّ نَسْخَهَا مَرْدُودَةٌ، وَعَلَى بَقَاءِ حُكْمِهَا مَالِكٌ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيُّ، خِلَافًا لِابْنِ الْقَصَّارِ مِنْ الْمَالِكِيَّةِ وَأَبِي يُوسُفَ مِنْ الْحَنَفِيَّةِ فِي قَوْلِهِمَا: إنَّهَا مِنْ خُصُوصِيَّاتِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَتَبِعَهُمَا الْمُزَنِيّ مِنْ الشَّافِعِيَّةِ، وَهِيَ مَشْرُوعَةٌ حَضَرًا وَسَفَرًا وَعَلَيْهِ الْأَكْثَرُ، وَوَقَعَ خِلَافٌ فِي عَدَدِ الْأَمَاكِنِ الَّتِي صَلَّاهَا فِيهَا - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -، وَاَلَّذِي اسْتَقَرَّ عِنْدَ الْفُقَهَاءِ وَهُوَ الْأَصَحُّ كَمَا فِي الْقَبَسِ أَنَّهُ صَلَّاهَا فِي ثَلَاثِ غَزَوَاتٍ: ذَاتِ الرِّقَاعِ وَبَطْنِ النَّخِيلِ وَعُسْفَانَ، وَشَرَعَ فِي بَيَانِ صِفَتِهَا سَفَرًا بِقَوْلِهِ: (وَ) صِفَةُ (صَلَاةِ) الْفَرْضِ حَالَ (الْخَوْفِ فِي السَّفَرِ إذَا خَافُوا) أَيْ الْمُسْلِمُونَ ضَرَرَ (الْعَدُوِّ) الْكَافِرِ أَنَّ الْمُسْلِمَ الْمُحَارِبَ عِنْدَ صَلَاتِهِمْ دَفْعَةً وَاحِدَةً وَأَمْكَنَ قَسْمُهُمْ (أَنْ يَتَقَدَّمَ الْإِمَامُ لِيُصَلِّيَ بِطَائِفَةٍ) مِنْ الْمُسْلِمِينَ الْمُقَاتِلِينَ شَطْرَ صَلَاتِهِمْ. (وَيَدَعُ) أَيْ يَتْرُكُ (طَائِفَةً مُوَاجِهَةً الْعَدُوَّ) قَالَ خَلِيلٌ: رُخِّصَ لِقِتَالٍ جَائِزٍ أَمْكَنَ تَرْكُهُ لِبَعْضِهِمْ قَسْمُهُمْ قِسْمَيْنِ وَإِنْ وِجَاهَ الْقِبْلَةِ أَوْ عَلَى دَوَابِّهِمْ، وَيُعَلِّمُهُمْ قَبْلَ ذَلِكَ صِفَةَ صَلَاةِ الْخَوْفِ وُجُوبًا عِنْدَ الْجَهْلِ وَنَدْبًا عِنْدَ عَدَمِهِ،؛ لِأَنَّ تِلْكَ الصِّفَةَ غَيْرُ مَأْلُوفَةٍ لِلنَّاسِ.

قَالَ خَلِيلٌ: وَعَلَّمَهُمْ وَصَلَّى بِأَذَانٍ وَإِقَامَةٍ اسْتِنَانًا حَيْثُ طَلَبُوا غَيْرَهُمْ.

قَالَ فِي الْجَوَاهِرِ: وَتُقَامُ هَذِهِ الصَّلَاةُ فِي كُلِّ قِتَالٍ مَأْذُونٍ فِيهِ، فَشَمَلَ الْوَاجِبَ كَقِتَالِ الْكُفَّارِ وَالْبُغَاةِ، وَالْمُبَاحَ كَقِتَالِ مُرِيدِ الْمَالِ.

قَالَ الْبَدْرُ الْقَرَافِيُّ: وَمِثْلُ الْخَوْفِ مِنْ الْعَدُوِّ فِي جَوَازِ الْقَسْمِ الْخَوْفُ عَلَى الْمَالِ مِنْ اللُّصُوصِ أَوْ عَلَى النَّفْسِ مِنْ السِّبَاعِ، وَأَمَّا الْقِتَالُ الْمَنْهِيُّ عَنْهُ كَقِتَالِ الْمُسْلِمِينَ مُجَرَّدَ شَهْوَةِ النَّفْسِ كَمَا فِي هَذَا الزَّمَانِ، وَقِتَالِ الْإِمَامِ الْعَادِلِ فَلَا يَجُوزُ قَسْمُهُمْ، فَإِنْ قِيلَ: صَلَاةُ الْخَوْفِ إنَّمَا شُرِعَتْ فِي حَالِ قِتَالِ الْكُفَّارِ فَكَيْفَ أَجَزْتُمُوهَا فِي قِتَالِ الْمُسْلِمِينَ؟ فَالْجَوَابُ: أَنَّهُ مِنْ بَابِ قِيَاسٍ لَا فَارِقَ لِلْقَطْعِ بِأَنَّ السَّبَبَ الْخَوْفُ وَهُوَ مِنْ الْفَرِيقَيْنِ سَوَاءٌ، ثُمَّ عَطَفَ عَلَى قَوْلِهِ: أَنْ يَتَقَدَّمَ الْإِمَامُ قَوْلُهُ: (فَيُصَلِّي الْإِمَامُ بِكُلِّ طَائِفَةٍ رَكْعَةً) مِنْ غَيْرِ الثُّلَاثِيَّةِ؛ لِأَنَّ الْكَلَامَ فِي حَالِ السَّفَرِ، وَكَانَ الْأَوْلَى أَنْ يَقُولَ: فَيُصَلِّي بِهَا؛ لِأَنَّ الْمَحَلَّ لِلْإِضْمَارِ، لِظُهُورِ أَنَّ فَاعِلَ يُصَلِّي الْإِمَامُ وَالضَّمِيرُ الْمَجْرُورُ لِلطَّائِفَةِ، إلَّا أَنَّ عَادَةَ الْمُصَنِّفِ فِي هَذَا الْكِتَابِ زِيَادَةُ الْإِيضَاحِ وَنَكَّرَ طَائِفَةً، وَعَبَّرَ بِهَا لِلْإِشَارَةِ إلَى أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ تَسَاوِي الطَّائِفَتَيْنِ، بَلْ الشَّرْطُ كَوْنُ كُلِّ طَائِفَةٍ فِيهَا قُدْرَةٌ عَلَى رَدِّ الْعَدُوِّ. (ثُمَّ) بَعْدَ تَمَامِ الرَّكْعَةِ بِقِيَامَةٍ (يَثْبُتُ) أَيْ الْإِمَامُ (قَائِمًا) سَاكِتًا أَوْ قَارِئًا أَوْ دَاعِيًا بِالنَّصْرِ وَالْفَتْحِ.

(وَ) يُشِيرُ لَهُمْ (يُصَلُّونَ لِأَنْفُسِهِمْ

طور بواسطة نورين ميديا © 2015