قرره الأصفهاني أن الله تعالى يوجد القدرة والإرادة في العبد ويجعلهما بحيث لهما مدخل في الفعل لا بأن تكون القدرة والإرادة لذاتهما اقتضت أن لهما مدخلا في الفعل، بل كونهما بحيث لهما مدخل بخلق الله إياهما على هذا الوجه ثم يقع الفعل بهما، فإنه جميع المخلوقات يخلق الله بعضها بلا واسطة وبعضها بوساطة أسباب، لا بأن تكون تلك الوسائط والأسباب لذاتها اقتضت أن يكون لها مدخل في وجود المسببات. بل بأن خلقها الله تعالى بحيث لها مدخل، فتكون الأفعال الاختيارية المنسوبة إلى العبد مخلوقة لله تعالى، أو مقدورة للعبد بقدرة خلقها الله تعالى في العبد وجعلها بحيث لها مدخل في الفعل.

والغرض من هذا الفصل إقامة الحجة على المفلوكين وقطع معاذيرهم وإلجامهم عن التعلق بالقضاء والقدر، وإنه متى نعيت إليهم فلاكتهم أو نودى عليهم بها كان ذلك متجهاً مخيلاً، لأنهم إما فاعلوها استقلالا أو مشاركة وأما بالمحلية والمدخلية على ما سبق تحقيقه.

ولو سلم أن ذلك من باب القضاء والقدر الصرف أو فرضت فلاكة سماوية صرفة، فكلمات العلماء في مجاري أبحاثهم طافحة بأن القضاء والقدر لا يحتج

به، وذلك لما روى مسلم في صحيحه {أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: اجتمع آدم مع موسى فقال له موسى: يا آدم أنت خيبتنا وأخرجتنا من الجنة. فقال آدم: أتلومني على أمر قدره الله علي قبل أن يخلقني بأربعين سنة. قال صلى الله عليه وسلم: فحج آدم موسى}.

قال النووي في شرحه: فإن قلت: فإن العاصي منا لو قال هذه المعصية قدرها الله علي لم يسقط عنه اللوم والعقوبة بذلك وان كان صادقاً فيما قاله. فالجواب أن هذا العاصي باق في دار التكليف جار عليه أحكام المكلفين من العقوبة واللوم والتوبيخ وغيرها، وفي لومة وعقوبته زجر له ولغيره عن مثل هذا الفعل، وهو محتاج إلى الزجر ما لم يمت، فأما آدم فميت خارج عن دار التكليف وعن الحاجة إلى الزجر، فلم يكن في القول المذكور له فائدة بل فيه إيذاء وتخجيل - انتهى.

فانظر كيف اعترف بحجية السؤال واعتذر في الجواب بأن الحديث ليس منه، والقضاء والقدر وإن لم يحتج به في الدنيا فجائز أن يحتج به الأنبياء في الآخرة لعلو مقامهم عن الإيذاء والتخجيل، وإذا ثبت أن القضاء والقدر لا يحتج به في المعاصي فغيرها كذلك، إذ لا قائل بالفرق أو المقايسة، لأن العلة التي اقتضت المنع من الإحتجاج بالقدر في المعاصي مطردة في غيرها من أقداره تعالى بالمناسبة والاخالة.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015