الفصل السادس في مصير العلوم كمالات نفسانية وطاعة من الطاعات

ثمرة أموالهم وتكسباتهم بأعمالهم، حتى لو فرضنا خصاً خالياً من المال والتكسب لم يكن إلا حاذاً مكدياً، وعلى قدر احتياج الناس إلى نوع ذلك المال ونوع ذلك التكسب يكون نفاقه بينهم، وبقدر نفاقه تعظم ثروة صاحبه وغناه، فلذلك لا تعظم ثروة أصحاب منصب القضاء والفتوى والتدريس غالباً وذلك لعدم احتياج جمهور الناس إلى ما بأيديهم احتياجاً لازماً لا مندوحة عنه، لما أن الأمور المفتقرة إلى القضاء تنفصل بغير قضاء تارة لرجوع المبطل عن عناده لوازع دين أو عار أو خوف مترقب أو نحوها، وتنفصل

بالسياسة وبوجوه الناس تارة أخرى، ولما أن العلوم مباينة لطبائع البعض ومهجورة عند البعض ومستثقلة على البعض.

الفصل السادس

في مصير العلوم كمالات نفسانية وطاعة من الطاعات

ليس إلا بعد كونها صناعة من جملة الصناعات وحرفة من الحرف

هذه الدعوة مركبة من ثلاثة أمور: (الأمر الأول) أن العلوم كانت حرفة من الحرف وصناعة من الصنائع. (الأمر الثاني) أن العلوم الآن خرجت عن كونها صناعة وزال منها معنى الاحتراف والصنعة. (الأمر الثالث) كونها كمالات وطاعات.

وبيان ذلك يفتقر إلى مقدمتين:

(المقدمة الأولى) أن هذه الريعة ناسخة لجميع الرائع وأحكامها باقية بقاء الدهر. ثم أن الأحكام كلها متلقاة من الله تعالى ولا مدخل للعقل في إيجاب ولا تحريم ولا غيرهما، ولذلك قيل في حد الحكم الشرعي خطاب الله المتعلق بأفعال المكلفين بالاقتضاء أو التخيير، فقيل (خطاب الله) لأن السنة والإجماع والقياس ترجع إليه بالآخرة. والكتاب والسنة والحكم الرعي مفتقر إلى العلوم بأسرها. وبيانه إنه بالنظر إلى المفرد الذي يستدل به وصحته في حالة إفراده يفتقر إلى علم الصرف، وأن النظر في صحة التركيب يفتقر إلى علم النحو، وفي تطبيق اللفظ على مدلوله يفتقر إلى علم اللغة، وفي إظهاره وإضماره والتفاته وتقديمه وتأخيره ونحوها مما يرجع إلى مطابقة اللفظ لمقتضى الحال إلى علم المعاني، وفي حقيقته ومجازه وكنايته واستعارته ونحوها مما يرجع إلى إيراد

طور بواسطة نورين ميديا © 2015