إن الله تبارك وتعالى يأمرنا في كلامه هذا أن نتبع الصراط المستقيم ولا نزال متبعين له مستقيمين عليه حتى نلقى الله عز وجل، وظاهر أن {الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ} في الآية شاملة لقسميه كليهما أي صراط الفكر وصراط العمل، فتبين أنه يجب على المسلم أن يتبع في تفكره صراطاً أي منهاجاً هداه الله إليه بالقرآن الحكيم وسنة نبيه الكريم عليه أفضل الصلوات والتسليم، ويلزمه العلم لزوما بينا بأن الإسلام قد هدانا إلى صراط خاص من التفكر فما هو؟ وقد أجابت الآية الثانية عن هذا السؤال بأنه صراط الذين أنعم الله عليهم؛ فعلينا أن نتفكر كما تفكروا، ثم صرح بأن صراط المؤمنين مغاير لصراط المغضوب عليهم، كما أنه مغاير لصراط الضالين، فعلى المسلم أن يحترز عن صراط كل واحد منهما في تفكره وعمله.

بقي السؤال عن الذين أنعم الله عليهم، نجد جوابه في سورة النساء فقد قال الله تعالى: {وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُولَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقاً} فبالنظر إلى الآيات المنقولة من سورة الفاتحة، وإلى هذه الآيات التي في سورة النساء يجب علينا أن نتبع النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه الكرام في منهاج الفكر، كما يجب علينا اتباعهم في العمل، بل الاتباع في منهاج التفكر أشد تأكيدا، لأن العمل تابع للفكر، فإن الإنسان يتفكر ثم يعمل ولأن الخطأ في الفكر أشد ضرراً، وهذه الآيات المقدسة تنور الماهية الكلية (للفكرة السنية) وتكشف عن القوانين والأصول التي هي أجزاء هذه الماهية كما نفصلها في الفقرات الآتية المستمدة من الآيات القرآنية المزبورة أصولا:

الأول: أن تفكر المؤمن ينبغي بل يجب أن يكون في ضوء إيمانه بالله تعالى وبما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم قطعاً، ومعناه أن المقدمات التي يستعين بها للوصول إلى علم جديد لابد أن تكون مناسبة للإيمان ولا تكون مخالفة له، ولا منقطعة عنه انقطاعا كليا بحيث لا يوجد أدنى ربط بينهما، وقد ألقينا الضوء على هذا الأصل من قبل حين فسرنا الآية.

الثاني: أنه لابد أن تتحرك فكرتنا على الصراط المستقيم أي على منهاج وطريق اختاره الذين أنعم الله عليهم من عباده، فيكون صراط أفكارنا هو صراط فكر النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه رضوان الله عليهم أجمعن، أما بيان ذلك المنهاج وتعريف الصراط الذي كانوا يختارونه في فكرهم فيجيء في موضعه إن شاء الله تعالى.

الثالث: أن الاحتراز عن الصراط الذي تختاره أمة غضب الله عليهم أو تختاره أمة ضالة في تفكرهم واجب، وأن اليهود هم المغضوب عليهم قطعاً، كما أن النصارى هم

طور بواسطة نورين ميديا © 2015