بين آخر ما كانت قد وصلت إليه النظرية الإسلامية في الحكم وبين هذا الحدث الجديد الكبير، أملًا بردّ تحديه المحرج الخطير. وهكذا نشأت حركة فكرية واسعة ونشيطة، جاء هذا الكتاب يبسط مجالها وتياراتها واتجاهاتها وتفرعاتها وأسبابها ونتائجها.

وفيما كانت هذه المحاولة آخذة مجراها الطبيعي وسائرة سيرها الحثيث، إذا بالعالم الغربي الحديث، بسرعة تفوق سرعتها. يحتاج العالم العربي بأفكاره ونظمه ومؤسساته، فيتخطى تلك المحاولة تخطيًا جعل الشق بين نظرية الإسلام في الحكم وبين واقع الحال يتسع ويعمق يومًا بعد يوم.

وكأن هذا السبق، الذي أحرزه التطور العملي في واقع البلدان العربية على التطور النظري في أفكار المحاولين ضبطه وتوجيهه. قد أدخل نوعًا من اليأس في نفوسهم من اللحاق على الصعيد النظري بهذا التطور العملي، فإذا بعزمهم يضعف، ويزخمهم يتراخى، وإذا بالتقاعس يدب في متابعتهم هذه المحاولة، فيتسلمها عنهم مفكرون «علمانيون» لم يكونوا، وإن مسلمين، ليمثلوا، على وجه الدقة، أصالة الدين الإسلامي أو لينطقوا باسمه. ذلك أنهم لم ينطلقوا، على ما يبدو من الإسلام نفسه لمجابهة التطور الحديث وتقييمه على ضوء مبادئ الإسلام ومقتضياته، بل انطلقوا، بالأحرى، من واقع التطور الحديث لتفسير الإسلام وتطويره وفقًا لمقتضيات هذا الواقع. فجاءت محاولتهم هذه كأنها غير صادرة عن صميم التقليد الإسلامي، وبدت، لذلك، غير مؤهلة للفعل فيه من الداخل، كمن له سلطان.

وهكذا، أمام هذا الفراغ العقائدي، وجد المسلم نفسه اليوم في وضع شاذ غريب وفريد من نوعه:

فهو يعيش. داخليًا، وفي ضميره ولاء للدولة المهتدية بهدي

طور بواسطة نورين ميديا © 2015