وفيما كان هذا التغير السياسي آخذًا مجراه، كانت الإمبراطورية تجتاز أزمة اقتصادية تجمعت عناصرها منذ زمن طويل. لا شك أن الإدارة الفاسدة قد زادتها خطرًا، إلا أن سببها الحقيقي كان خارجيًا، يعود إلى توسع أوروبا الجغرافي شرقًا وغربًا. فالمراكز التجارية الأوروبية المنشأة في الأقيانوس الهندي كانت قد فككت الخطوط التجارية التقليدية بين الإمبراطورية والعالم الخارجي في آسيا وأوروبا معًا. وكان لاكتشاف أميركا تأثير أشد من ذلك أيضًا، إذ أدى إلى تحول الذهب والفضة إلى بلدان البحر المتوسط، وبالتالي إلى ارتفاع الأسعار، مما زعزع مالية الدولة وأنزل الضرر بالطبقات المنتجة. وكانت النتيجة أن ازدادت الضرائب وتقهقرت الزراعة والحرف وجلا السكان عن الأرياف.

وفيما كان هذان التطوران، السياسي والاقتصادي، مستمرين، كانت سلطة الحكومة المركزية في الولايات تضعف رويدًا رويدًا، مما ترك للقوى المحلية حرية أوسع للعمل. فبعد أن كان جيش الإنكشارية عماد النظام في عواصم الولايات، أصبح الآن الخطر المهدد له، إذ غدا بالواقع حزبًا سياسيًا يستمد تأييده من الجماهير التي طغى عليها الفلاحون النازحون من الأرياف، وأصبح بوسعه حقًا أن يقاوم السلطة، كما أنه انشق في بعض الأماكن إلى أحزاب متنافرة، أو راح يتناحر مع فئات ممتازة أخرى، فخلق بذلك حالة توتر دائمة. أما في الأرياف، فضعف المخافر العسكرية وجلاء الفلاحين عن القرى مكن البدو من النزوح إلى الأراضي المأهولة وإخضاع المزارعين فيها أو ترحيلهم عنها. وكان القرن السابع عشر عصر تحركات في قلب الجزيرة العربية. فكانت قبائل جديدة تنزح إلى صحراء سوريا والعراق، متحدية سيطرة القبائل القديمة فيها، كقبائل الموالي التي توصلت إلى نوع من التعايش مع حكومة السلطان، إلا أنها كانت تقطع طرق التجارة وتسلب الحجاج أحيانًا وتطارد القبائل الأضعف منها حربيًا إلى حافة الأماكن الحضرية. وأمام

طور بواسطة نورين ميديا © 2015