وليس في ما كتبه ما ينم عن معرفة تفصيلية بالقضايا الاجتماعية، باستثناء قضايا التربية؛ فيما برزت هذه المعرفة وهذا الاهتمام بصورة أجلى لدى غيره من كتاب عصره. فموسى سلامه القبطي، وهو معاصر له، قد دعا إلى نوع من الاشتراكية استمده من «الفكر التقدمي» الذي عرفت به إنكلترا الإدواردية، ومن كتابات شو، وويلز، وبواسطتها من إبسن ونيتشه وتولستوي، أكثر مما استمده من ماركس. كان سلامه موسي قوميًا، وقوميًا مصريًا صرفًا. ومن آرائه أن لا قيمة للاستقلال بحد ذاته ما لم يقترن بالإصلاح الداخلي. فالاستقلال والإصلاح صنوان، وأعداؤهما لمتحالفون أبدًا. فالمستعمرون الأوروبيون والرجعيون المصريون يعملون يدًا بيد. والإصلاح يعني، في جوهره، إنشاء صناعة حديثة واستيعاب الثقافة العلمية. أما الثقافة المصرية الحديثة فهي ليست علمية، بل لا تزال أدبية متطلعة إلى الوراء، نحو الماضي، وقائمة على احتقار الفلاحين والعمال أو تجاهلهم (24). وهنا أيضًا نرى أن التفاصيل لا تخلو من الإبهام. لكنه قدر لكاتب آخر من أبناء هذا الجيل أن يسد هذا النقص، هو حافظ عفيفي، أحد رفقاء لطفي السيد الحديثين في السن، وأحد مؤسسي «حزب الأحرار الدستوريين» في 1920. فقد حول حافظ عفيفي اهتمامه إلى التنظيم الاقتصادي، بحيث أسهم في إنشاء مجموعة «شركات مصر»، التي كانت أول خطوة ناجحة يخطوها المصريون في حقل التنظيم الاقتصادي الحديث. وقد أصدر، في 1938، كتابًا بعنوان: «على هامش السياسة»، كانت نقطة الانطلاق فيه قريبة جدًا من نقطة انطلاق طه حسين. فقال بأن المصريين قصروا تفكيرهم على علاقاتهم ببريطانيا وبالجاليات الأجنبية. أما الآن وقد نالت مصر الاستقلال، فعلى المصريين أن يتساءلوا ما هي الغاية منه؟ وفي جوابه على هذا السؤال يصرح، كطه حسين، بأن مصر هي أمة مميزة ومتجانسة؛ وبأن نظام الحكم فيها يجب أن يكون ديموقراطيًا، مما يقتضي أن يكون لها

طور بواسطة نورين ميديا © 2015