بسط هذه الأفكار، خلال العشرينيات والثلاثينيات من القرن الحالي، عدد من الكتاب الموهوبين الذين، وإن لم ينتموا جميعًا إلى الوفد، كانوا مجمعين على اتخاذ موقف عام من السياسة والمجتمع، أمثال أحمد أمين، وعباس محمود العقاد، وتوفيق الحكيم، وعبد القادر المازني، وطه حسين. كان هؤلاء الأئمة في الإنشاء العربي، والمتربون تربية أوروبية (إنكليزية أو فرنسية)، والمتضلعون في الثقافة التقليدية، رجال أدب قبل كل شيء. فقد عبروا عن أفكارهم، غالب الأحيان، على صفحات المجلات أو بكتابة القصص والروايات. وكانوا، مع غيرهم من أبناء جيلهم، طليعة كتاب القصة في اللغة العربية الحديثة. وكان بعضهم، على الأقل، يهتم بإمكان خلق المسرح العربي. (لم يعرف الأدب العربي القديم أيًا من هذين النوعين الأدبيين. وقد أخر اقتباسهما عن الغرب صعوبتان: صعوبة استعمال الحوار في لغة تختلف فيها كثيرًا الصيغة الكتابية عن الصيغة المحكية؛ وصعوبة التعبير عن توتر المشاعر الشخصية في وصف مجتمع تعيش فيه المرأة وراء الحجاب). وكان طه حسين أشد هؤلاء التزامًا للأدب، وقد يكون أعظمهم فنًا. وهو جدير بالدراسة، أولًا لشخصه، وثانيًا لإمكان اعتباره آخر ممثل كبير لنهج معين في التفكير، والكاتب الذي وضع الصيغة النهائية لطائفة من الأفكار قام عليها الفكر الاجتماعي والعمل السياسي في البلدان العربية طيلة ثلاثة أجيال.

ولد طه حسين في قرية من قرى مصر العليا في 1889 من عائلة فقيرة، ولكنها لم تكن معدمة. وقد فقد بصره في سن باكر، مما قد يفسر، في آن واحد، نوعية خياله وبعض الخصائص في إنشائه الأدبي، التي منها بوادر نشوء الأسلوب القصصي والجدلي، والتكرار اللفظي اللامتناهي، والجمل الطويلة المؤلفة من عبارات لا يربط بينها سوى أداة العطف. وقد وصف لنا، في مجلدين عن سيرة حياته، يقظة الإحساس والعقل لدى صبي فاقد البصر،

طور بواسطة نورين ميديا © 2015