التي هي، بالنسبة إلى الدول الأخرى، شرط من شروط الحياة الصالحة، إنما هي، بالنسبة إلى لبنان، شرط ضروري من شروط الحياة نفسها.

أما على الصعيد الخارجي، فعلى لبنان أن يسعى للمحافظة على كيانه. إن مأساته ناشئة لا عن أن وجوده فقط، بل تركيب كيانه أيضًا، متوقفان على قوى خارجة عن نطاق إرادته، وأن جميع المشاكل، في دولة صغيرة، إنما تتصل بالسياسة الخارجية. لذلك توجب على لبنان أن يكون على علاقات ودية مع جميع ذوي السيطرة والنفوذ في العالم، بما فيه الشرق الأدنى، أي جميع من هم بحاجة إلى استخدام طرقاته لجيوشهم أو لتجارتهم. لكن هذا لا يعني أنه لا يجوز له أن يفضل دولة على دولة. فهو، بأعمق معنى، يحتاج إلى الغرب الذي هو الدوحة الكبرى لثقافته. وهو لا يمكنه أن يطمئن داخليًا وخارجيًا إلا إذا كان الغرب قويًا، وكانت سلطته في شرقي البحر المتوسط نافذة. وفي هذا يقول ميشال شيحا: «نحن هنا في لبنان أصدقاء سادة العالم، وذلك عن مبدأ وعن ضرورة. لكننا، في سبيل مصلحة هذا الشرق الذي ننتمي إليه، لسنا مستعدين أن نرضى بتدهور أوروبا» (134).

تنطوي هذه التصريحات، ضمنًا، على المشكلة الجوهرية للقومية اللبنانية. لقد حرص ميشال شيحا على تحديد لبنان على أساس لا طائفي كبلد يخص المسلمين والمسيحيين على السواء، وعلى تحديد العرب تحديدًا يشمل الإسلام كما يشمل المسيحية. لكن رؤياه للبنان ولأوروبا استهوت بطبيعتها المسيحيين اللبنانيين أكثر بكثير مما استهوت المسلمين. فهؤلاء قد يقبلون بكيان لبنان لأسباب سياسية، لكن لا يمكن لمشاعرهم أن تهتز بعمق اهتزاز مواطنيهم المسيحيين عند سماع أصوات أجراس الكنائس، أو عند التفكير بأثينا وروما وباريس. فلبنان، عندهم، ليس شيئًا فريدًا أو قائمًا بذاته. إنه، في أقصى ما يمكن أن يكونه، جزء مستقل من العالم العربي. وإذا فرض عليهم الاختيار بين العالم العربي والغرب، فلا مجال عندهم

طور بواسطة نورين ميديا © 2015