إذا استُعملتْ في حالة الجَحْد أثْبتَتْ ... وإن أُثبِتَتْ قامتْ مقام جُحودِ

ومما يؤيد ما ذكره ما حُكي أن ذا الرُّمة (?) -وهو غيلان صاحب ميَّة- لما أنشد قوله (?): [من الطويل]

إذا غيَّر الهَجْرُ المحبينَ لم يكد ... رسيسُ الهوى من حُبِّ مَيَّةَ يَبرحُ

اعترضه السامعون بأن كاد إثباتها نفي ونفيها إثبات، وأنَّ الواقع في بيته منفي فيكون مثبَتًا، ويصير المعنى: أنَّ رسيس الهوى قد زال من حب ميّة، مع أنَّ مراده دعوى عدم ذهابه. وأنَّ ذا الرُّمَّة لما سمع اعتراضهم سَلَّم فغيَّر قوله: لم يكد بلم تجد.

وقال المحققون: إن كاد كغيرها من الأفعال نفيًا وإثباتًا وأنَّ المعترض مخطئ وأنَّ تسليم ذي الرمة له خطأ والصواب بقاء البيت على ما هو عليه. ويكون معناه: لم يقرب رسيس الهوى من الزوال إذا زال

حب المحبِّين من البعاد بل قوله أبلغ من قولكم: لم يبرح رسيس الهوى، وذلك لأن مقاربة الزوال إذا انتفت، فالزوال من باب أولى. ومثله قوله تعالى: {إِذَا أَخْرَجَ يَدَهُ لَمْ يَكَدْ يَرَاهَا} [النور: 40]، وهو في الآية أبلغ من لم يرها لما عرفتَ، ولأن من لم يرَ قد يقاربُ الرؤية.

وقالوا: إن عسى لا تكون من الله تعالى إلاَّ واجبة، ومثلها لعلَّ

طور بواسطة نورين ميديا © 2015