ثانيها: أن تتفق الجملتان خبرا أو إنشاء، لفظا ومعنى أو معنى فقط، مع وجود المناسبة بينهما، وليس هناك مانع من الوصل، ومثال الخبريتين قوله تعالى: {إِنَّ الأَبْرَارَ لَفِي نَعِيمٍ، وَإِنَّ الْفُجَّارَ لَفِي جَحِيمٍ} 1، ومثال الإنشائيتين قوله تعالى: {وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلَا تُسْرِفُوا} 2، ومثال الإنشائية معنى قوله تعالى: {وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَ بَنِي إِسْرَائِيلَ لا تَعْبُدُونَ إِلَّا اللَّهَ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا} 3.

وسموا ذلك "التوسط بين الكمالين".

ثالثها: أن يكون بين الجملتين كمال الانقطاع مع إيهام الفصل خلاف المقصود مثل: "لا وعافاك الله"4.

هذه هي القواعد التي رسخت بيننا، واكتسبت حصانة ضد المساس بها بالرغم من صعوبتها، حتى صارت عنوانا على جمود البلاغة وعقمها.

وقد قصر البلاغيون المتفلسفون حين داروا في فلك تقعيد السكاكي ولم يكلفوا أنفسهم عناء الإلمام بما قدم الجرجاني والزمخشري وسابقوهما من جهد ممتاز، لفاقة كانت في ذوقهم وثقافتهم وعصرهم وحضارتهم5.

وقصرنا نحن -بالرغم من تغير الظروف والإمكانات- حين عشنا عالة عليهم، لا نفكر في الخروج على ما ورثناه منهم، ورحنا نهاجم السكاكي ونمجد البلاغيين البلغاء من الجاحظ حتى الزمخشري، ونحن مكبلون في أصفاد "المفتاح"، ... ، إلى اليوم ونحن نمزق البلاغة إلى علوم ثلاثة كما فعل السكاكي وتلميذه، ... ، إلى اليوم ونحن ندرس موضوعات المعاني والبيان والبديع بالشكل الذي قرره السكاكي وتلاميذه ... والغريب بل المحير، أن الدراسات الجامعية في

طور بواسطة نورين ميديا © 2015