وَلَمْ يَخْتَصَّ بِهِ أَمَّا عَدَمُ تَعْيِينِهِ فَلِأَنَّهُ قَدْ يَكُونُ مُسْتَنَدُهُ فِي اللِّعَانِ كَوْنَهُ لَمْ يَطَأْهَا بَعْدَ حَيْضَتِهَا مَعَ أَنَّ الْحَامِلَ قَدْ تَحِيضُ أَوْ قَرَائِنُ حَالِيَّةٌ مِثْلُ كَوْنِهِ رَأَى رَجُلًا بَيْنَ فَخِذَيْهَا، وَقَدْ يَكُونُ الرَّجُلُ لَمْ يُولِجْ أَوْ أَوْلَجَ، وَمَا أَنْزَلَ، وَبِالْجُمْلَةِ فَالْقَرَائِنُ قَدْ تَكْذِبُ.

وَأَمَّا عَدَمُ اخْتِصَاصِهِ بِاللِّعَانِ فَلِأَنَّ الْمُتَدَاعِيَيْنِ فِي النِّكَاحِ أَوْ غَيْرِهِ قَدْ يَكُونُ أَحَدُهُمَا كَاذِبًا فَاجِرًا يَطْلُبُ مَا يَعْلَمُ خِلَافَهُ، وَلَا نُسَلِّمُ أَنَّ الْحُكْمَ يَقُومُ مَقَامَ الْفَسْخِ وَالْعَقْدِ بَلْ لِمَا بَيَّنَّا أَنَّ التَّلَاعُنَ يَمْنَعُ الزَّوْجِيَّةَ.

(وَعَنْ الرَّابِعِ) أَنَّ صَاحِبَ الشَّرْعِ إنَّمَا جَعَلَ لِلْحَاكِمِ الْعَقْدَ لِلْغَائِبِ وَالْمَحْجُورِ عَلَيْهِمْ وَنَحْوِهِمْ بِطَرِيقِ الْوَكَالَةِ لِتَعَذُّرِ الْمُبَاشَرَةِ مِنْهُمْ، وَهَا هُنَا لَا ضَرُورَةَ لِذَلِكَ، وَالْأَصْلُ أَنْ يَلِيَ كُلُّ وَاحِدٍ مَصَالِحَ نَفْسِهِ فَلَا يُتْرَكُ الْأَصْلُ عِنْدَ عَدَمِ الْمُعَارِضِ.

(وَعَنْ الْخَامِسِ) أَنَّ الْمَحْكُومَ عَلَيْهِ إنَّمَا حُرِّمَتْ عَلَيْهِ الْمُخَالَفَةُ لِمَا فِيهَا مِنْ مَفْسَدَةِ مَشَاقَّةِ الْحُكَّامِ وَانْخِرَامِ النِّظَامِ وَتَشْوِيشِ نُفُوذِ الْمَصَالِحِ، وَإِمَّا مُخَالَفَةٌ بِحَيْثُ لَا يَطَّلِعُ عَلَيْهِ حَاكِمٌ، وَلَا غَيْرُهُ فَجَائِزَةٌ

(الْقِسْمُ الرَّابِعُ) مَا تَتَنَاوَلُهُ الْوِلَايَةُ، وَصَادَفَ فِيهِ الْحُجَّةُ، وَالدَّلِيلُ وَالسَّبَبُ غَيْرَ أَنَّهُ مُتَّهَمٌ فِيهِ كَقَضَائِهِ لِنَفْسِهِ فَإِنَّهُ يُفْسَخُ لِأَنَّ الْقَاعِدَةَ أَنَّ التُّهْمَةَ تَقْدَحُ فِي التَّصَرُّفَاتِ إجْمَاعًا مِنْ حَيْثُ الْجُمْلَةُ، وَهِيَ مُخْتَلِفَةُ الْمَرَاتِبِ فَأَعْلَى رُتَبِ التُّهْمَةِ مُعْتَبَرٌ إجْمَاعًا كَقَضَائِهِ لِنَفْسِهِ، وَأَدْنَى رُتَبِ التُّهَمِ مَرْدُودٌ إجْمَاعًا كَقَضَائِهِ لِجِيرَانِهِ وَأَهْلِ صَقْعِهِ وَقَبِيلَتِهِ، وَالْمُتَوَسِّطُ مِنْ التُّهَمِ مُخْتَلَفٌ فِيهِ هَلْ يَلْحَقُ بِالْأَوَّلِ أَوْ بِالثَّانِي وَأَصْلِهَا قَوْلُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَا تُقْبَلُ شَهَادَةُ خَصْمٍ وَلَا ظَنِينٍ» أَيْ مُتَّهَمٍ قَالَ ابْنُ يُونُسَ فِي الْمَوَّازِيَّةِ كُلُّ مَنْ لَا تَجُوزُ شَهَادَتُهُ لَهُ لَا يَجُوزُ حُكْمُهُ لَهُ.

وَقَالَهُ أَبُو حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - لِأَنَّ حُكْمَ الْحَاكِمِ لَازِمٌ لِلْمَقْضِيِّ عَلَيْهِ فَهُوَ أَوْلَى بِالرَّدِّ مِنْ الشَّهَادَةِ لِأَنَّ فَوْقَ الشَّاهِدِ مَنْ يَنْظُرُ عَلَيْهِ فَيَضْعُفُ الْإِقْدَامُ عَلَى الْبَاطِلِ فَتَضْعُفُ التُّهْمَةُ قَالَ وَلَا يَحْكُمُ لِعَمِّهِ إلَّا أَنْ يَكُونَ مُبَرِّزًا وَجَوَّزَهُ أَبُو حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -.

وَقَالَ عَبْدُ الْمَلِكِ لَا يَحْكُمُ لِوَلَدِهِ الصَّغِيرِ أَوْ يَتِيمِهِ أَوْ امْرَأَتِهِ، وَيَجُوزُ لِغَيْرِ هَؤُلَاءِ الثَّلَاثَةِ كَالْأَبِ وَالِابْنِ الْكَبِيرِ، وَإِنْ امْتَنَعَتْ الشَّهَادَةُ فَإِنَّ مُنَصَّبَ الْقَضَاءِ أَبْعَدُ عَنْ التُّهَمِ لِوُفُورِ جَلَالَةِ الْقَاضِي دُونَ الشَّاهِدِ.

وَقَالَ أَصْبَغُ فَإِنْ قَالَ ثَبَتَ عِنْدِي، وَلَا نَعْلَمُ أَثَبَتَ أَمْ لَا، وَلَمْ يَحْضُرْهُ الشُّهُودُ، لَمْ يَنْفُذْ فَإِنْ حَضَرَ الشُّهُودُ، وَكَانَتْ شَهَادَةً ظَاهِرَةً بِحَقٍّ بَيِّنٍ جَازَ فِيمَا عَدَا الثَّلَاثَةَ الْمُتَقَدِّمَةَ لِأَنَّ اجْتِمَاعَ هَذِهِ الْأُمُورِ تُضْعِفُ التُّهْمَةَ، وَهُوَ الْفَرْقُ

ـــــــــــــــــــــــــــــS. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ـــــــــــــــــــــــــــــQفَإِنَّ الْمِلْكَ الْمُرَتَّبَ عَلَى الشِّرَاءِ أَوْ عَلَى الْإِرْثِ أَوْ عَلَى الْهِبَةِ لَمْ تَسْتَمِرَّ أَسْبَابُهُ فَكَانَ يَلْزَمُ عَلَى قِيَاسِ قَوْلِهِ أَنَّهُ مَتَى غَفَلَ الْإِنْسَانُ عَنْ تَجْدِيدِ شِرَاءِ مُشْتَرَاهُ أَنْ يَبْطُلَ مِلْكُهُ عَلَيْهِ ذَلِكَ بَاطِلٌ قَطْعًا، وَمَا قَالَهُ مِنْ أَنَّ الْحَدِيثَ لَا يَقْتَضِي الْمِلْكَ بِوَصْفِ الدَّوَامِ، وَإِنْ كَانَ صَحِيحًا إلَّا أَنَّ هُنَا قَاعِدَةٌ شَرْعِيَّةٌ، وَهِيَ أَنَّ الْمِلْكَ يَدُومُ بَعْدَ ثُبُوتِ سَبَبِهِ إلَّا أَنْ يَلْزَمَهُ مَا يُنَاقِضُهُ اهـ.

فَتَأَمَّلْ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ

[الْفَرْقُ بَيْنَ قَاعِدَةِ الْكَذِبِ وَقَاعِدَةِ الْوَعْدِ وَمَا يَجِبُ الْوَفَاءُ بِهِ مِنْهُ وَمَا لَا يَجِبُ]

الْفَرْقُ الرَّابِعَ عَشَرَ وَالْمِائَتَانِ بَيْنَ قَاعِدَةِ الْكَذِبِ، وَقَاعِدَةِ الْوَعْدِ، وَمَا يَجِبُ الْوَفَاءُ بِهِ مِنْهُ وَمَا لَا يَجِبُ)

اعْلَمْ أَنَّ الْأَدِلَّةَ الشَّرْعِيَّةَ عَلَى قِسْمَيْنِ (الْقِسْمُ الْأَوَّلُ) مَا ظَاهِرُهُ الْفَرْقُ بَيْنَ قَاعِدَةِ الْكَذِبِ وَقَاعِدَةِ الْوَعْدِ كَحَدِيثِ الْمُوَطَّإِ «قَالَ رَجُلٌ لِرَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَأَكْذِبُ لِامْرَأَتِي فَقَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَا خَيْرَ فِي الْكَذِبِ، فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَعِدُهَا وَأَقُولُ لَهَا فَقَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لَا جُنَاحَ عَلَيْك» ، وَحَدِيثُ أَبِي دَاوُد قَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «إذَا وَعَدَ أَحَدُكُمْ أَخَاهُ وَمِنْ نِيَّتِهِ أَنْ يَفِيَ فَلَمْ يَفِ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ» وَنَحْوُ ذَلِكَ مِنْ الْأَدِلَّةِ الَّتِي تَقْتَضِي عَدَمَ الْوَفَاءِ بِالْوَعْدِ وَأَنَّ ذَلِكَ مُبَاحٌ، وَالْكَذِبُ لَيْسَ بِمُبَاحٍ فَلَا يَدْخُلُ الْكَذِبُ فِي الْوَعْدِ (وَالْقِسْمُ الثَّانِي) مَا ظَاهِرُهُ عَدَمُ الْفَرْقِ بَيْنَهُمَا كَقَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لا تَفْعَلُونَ} [الصف: 2] {كَبُرَ مَقْتًا عِنْدَ اللَّهِ أَنْ تَقُولُوا مَا لا تَفْعَلُونَ} [الصف: 3] فَإِنَّ الْوَعْدَ إذَا أُخْلِفَ قَوْلٌ لَمْ يُفْعَلْ فَيَلْزَمُ أَنْ يَكُونَ كَذِبًا مُحَرَّمًا، وَأَنْ يَحْرُمَ إخْلَافُ الْوَعْدِ مُطْلَقًا.

وَقَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «مِنْ عَلَامَةِ الْمُنَافِقِ ثَلَاثٌ إذَا اُؤْتُمِنَ خَانَ، وَإِذَا حَدَّثَ كَذَبَ، وَإِذَا وَعَدَ أَخْلَفَ» فَذِكْرُهُ فِي سِيَاقِ الذَّمِّ دَلِيلٌ عَلَى التَّحْرِيمِ، وَمَا رُوِيَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ «وَأْيُ الْمُؤْمِنِ وَاجِبٌ أَيْ وَعْدُهُ» وَاجِبُ الْوَفَاءِ بِهِ فَلَمَّا كَانَ ظَاهِرُ الْقِسْمِ الْأَوَّلِ مُعَارِضًا لِظَاهِرِ الْقِسْمِ الثَّانِي حِينَ صَارَ بِحَيْثُ لَوْ أُخِذَ بِهِ، وَقِيلَ بِالْفَرْقِ بَيْنَهُمَا، وَأَنَّ الْوَعْدَ لَا يَدْخُلُهُ الْكَذِبُ لَزِمَ مُخَالَفَةُ ظَاهِرِ الْقِسْمِ الثَّانِي بَلْ.

وقَوْله تَعَالَى {وَعَدَكُمْ وَعْدَ الْحَقِّ} [إبراهيم: 22] وَصَدَقَ اللَّهُ وَعْدَهُ {الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي صَدَقَنَا وَعْدَهُ وَأَوْرَثَنَا الأَرْضَ نَتَبَوَّأُ مِنَ الْجَنَّةِ حَيْثُ نَشَاءُ} [الزمر: 74] {فَهَلْ وَجَدْتُمْ مَا وَعَدَ رَبُّكُمْ حَقًّا} [الأعراف: 44] إلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِنْ النُّصُوصِ الدَّالَّةِ عَلَى دُخُولِ الصِّدْقِ فِي وَعْدِ اللَّهِ تَعَالَى وَوَعِيدِهِ، وَالْأَصْلُ فِي الِاسْتِعْمَالِ الْحَقِيقَةُ، وَكَانَ ظَاهِرُ الثَّانِي كَذَلِكَ مُعَارِضًا لِظَاهِرِ الْأَوَّلِ حَتَّى صَارَ بِحَيْثُ لَوْ أُخِذَ بِهِ، وَقِيلَ بِعَدَمِ الْفَرْقِ بَيْنَهُمَا وَأَنَّ الْوَعْدَ

طور بواسطة نورين ميديا © 2015