شرذمته. وهي مدينة حصينة، متوسطة في البحر كأنها سفينة. وقد نصبنا عليها المنجنيقات فنكأت فيها، ورمت من أعاليها، وهدمت من مبانيها. ولم يبق في جعبة الكفر سوى نشابها، وإن جمحت علينا فنصرة الله وعوائد تأييده لنا تؤذن بإصحابها، وإذا تسلمناها تسلمنا - بإذن الله - كل بلد للفرنج باق، وما لهم من عذاب الله واقع بهم واق.

ثم رأينا أن حصار صور يطول، وأن مسألة بيكار العسكر فيها تعول. وأن فتحها لا يفوت، وله وقته الموعود ووعده الموقوت. وكان العسكر قد ضجر ومل، وأعيا وكل. وقد دخل الشتاء وبرد الهواء. وجادت السماء، وتوترت الأنواء، وتواصلت الانداء. ولابد من استئناف جمع العساكر في أيام الربيع، واستمداد النصر الذي يضم لاستجداد الفتح شمل الجميع.

ورحلنا عنها بعد أن رتبنا ولها، في الثغور المجاورة لها؛ من يديم شن الغارات عليها، ويواضب على النهوض إليها. وفسحنا لأجنادنا في الاستراحة مدة شهرين إلى النيروز. فإن في تلك الأيام تتوفر العزائم على المبارزة والبروز. وقد جرت المواعدة على المعاودة، والمعاقدة للمعاضدة والمعاهدة للمساعدة. فليس في الفرنج من يقاتل الآن على الخيل، والنهار عليهم في إظلام الليل، والعز متقلص الظل عنهم والذل ضافي الذيل وقد حزب حزبهم من حربنا مثير للحرب والويل.

وقد اشتمل الفتح على البلاد المعينة، والمعاقل المبينة، وهي: طبرية، عكاء، الزيب، معليا، اسكندرونة، تبنين، هونين، الناصرة، الطور صفورية، الفولة، جينين، زرعين، دبوريه، عفر بلا، بيسان، سمسطية نابلس، اللجون، ريحا، سنجيل، البيرة، يافا، ارسوف، قيسارية، حيفا، صرفند، صيداء، قلعة أبي الحسن، جبل جليل، بيروت، جبيل، مجدل يابا، مجدل حباب، الداروم، غزة، عسقلان، تل الصافية، التل الأحمر، الاطرون، بيت جبريل، جبل الخليل، بيت لحم، لد، الرملة،

قرتيا، القدس، صوبا هرمس، السلع، عفرا، الشقيف، ولم نذكر ما تخللها من القرى والضياع، والأبراج الحصينة الجارية مجرى الحصون والقلاع.

ولكل واحدة من البلاد التي ذكرناها أعمال وقرى ومزارع، وأماكن ومواضع. قد جاس المسلمون خلالها، واسترعوا ثمارها وغلالها. وقد كنا عند قصدنا البلاد؛ وعرضنا للجهاد الاجتاد؛ كاتبنا أخانا الملك العادل سيف الدين أن يدخل بالعساكر المصرية من ذلك الجانب، وينتظر كتابنا بنصر هذه الكتائب. فلما بشر بكسر الفرنج طبرية وعكا، والظفر الذي أضحك الأولياء وأزعج الأعداء وأبكى؛ وتلى عليه (قد أفلح المؤمنون) و (قد أفلح من تزكى)؛ كان وصل إلى السوادة قس سواده وبياضه، وبحار جيشه وبراضه وورد من مورد النصر إلى حباضه. فجاش بجيوشه، وجاز العريش بعريشه، وزار دار الداروم بدمورها، وأجفلت

طور بواسطة نورين ميديا © 2015