وَلَوْ حَفَرَهُ الَّذِينَ طَلَبُوا الْحَفْرَ كَانُوا مُتَطَوِّعِينَ وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ الْإِسْكَافُ يُجْبَرُونَ عَلَى ذَلِكَ وَذَكَرَ الْخَصَّافُ فِي النَّفَقَاتِ أَنَّ الْقَاضِيَ يَأْمُرُ الَّذِينَ طَلَبُوا الْكَرْيَ بِالْكَرْيِ فَإِذَا فَعَلُوا ذَلِكَ كَانَ لَهُمْ مَنْعُ الْآخَرِينَ عَنْ الِانْتِفَاعِ بِهِ حَتَّى يَدْفَعُوا إلَيْهِمْ حِصَصَهُمْ مِنْ مُؤْنَةِ الْكَرْيِ وَهَكَذَا رُوِيَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - وَإِنْ أَرَادَ كُلُّهُمْ تَرْكَ الْكَرْيِ فِي ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ لَا يُجْبِرُهُمْ الْإِمَامُ وَقَالَ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ يُجْبِرُهُمْ الْإِمَامُ فَإِذَا اجْتَمَعُوا عَلَى كَرْيِ النَّهْرِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - الْبِدَايَةُ بِالْكَرْيِ مِنْ أَعْلَاهُ.

فَإِذَا جَاوَزَ أَرْضَ رَجُلٍ رَفَعَ عَنْهُ مُؤْنَةَ الْكَرْيِ وَكَانَ عَلَى مَنْ بَقِيَ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ - رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى - يَكُونُ الْكَرْيُ عَلَيْهِمْ جَمِيعًا مِنْ أَوَّلِ النَّهْرِ إلَى آخِرِهِ بِحِصَصِ الشُّرْبِ وَالْأَرَاضِي وَلَيْسَ عَلَى أَهْلِ الشَّفَةِ مِنْ الْكَرْيِ شَيْءٌ لِأَنَّهُمْ لَا يُحْصَوْنَ وَبِقَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - أَخَذُوا فِي الْفَتْوَى كَذَا فِي فَتَاوَى قَاضِي خَانْ.

وَبَيَانُهُ أَنَّ الشُّرَكَاءَ فِي النَّهْرِ إذَا كَانُوا عَشَرَةً فَمُؤْنَةُ الْكَرْيِ مِنْ أَوَّلِ النَّهْرِ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ عُشْرُ الْمُؤْنَةِ إلَى أَنْ يُجَاوِزَ أَرْضَ أَحَدِهِمْ فَحِينَئِذٍ تَكُونُ مُؤْنَةُ الْكَرْيِ عَلَى الْبَاقِينَ أَتْسَاعًا إلَى أَنْ يُجَاوِزَ أَرْضًا أُخْرَى ثُمَّ يَكُونُ عَلَى الْبَاقِينَ أَثْمَانًا عَلَى هَذَا التَّفْصِيلِ إلَى آخِرِ النَّهْرِ وَعِنْدَهُمَا الْمُؤْنَةُ عَلَيْهِمْ أَعْشَارًا مِنْ أَوَّلِ النَّهْرِ إلَى آخِرِهِ كَذَا فِي الْكَافِي.

وَإِنْ كَانَتْ فُوَّهَةُ النَّهْرِ لِأَرْضِهِ فِي وَسَطِ أَرْضِهِ فَكَرَى إلَى فُوَّهَةِ النَّهْرِ هَلْ يَسْقُطُ عَنْهُ الْكَرْيُ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ اخْتَلَفُوا فِيهِ قَالَ بَعْضُهُمْ يَسْقُطُ وَقَالَ بَعْضُهُمْ لَا يَسْقُطُ مَا لَمْ يُجَاوِزْ أَرْضَهُ وَهُوَ الصَّحِيحُ.

وَمَتَى جَاوَزَ الْكَرْيُ أَرْضَهُ هَلْ لَهُ أَنْ يَفْتَحَ الْمَاءَ لِيَسْقِيَ أَرْضَهُ قَالَ بَعْضُهُمْ لَهُ أَنْ يَفْتَحَ وَقَالَ بَعْضُهُمْ لَا يَفْتَحُ حَتَّى يَفْرُغَ الْكُلُّ لِأَنَّهُ لَوْ فَتَحَ قَبْلَ ذَلِكَ يَخْتَصُّ بِالْمَاءِ قَبْلَ الشُّرَكَاءِ وَلِهَذَا قَالَ الْمُتَأَخِّرُونَ يَبْدَأُ بِالْكَرْيِ مِنْ أَسْفَلِ النَّهْرِ كَذَا فِي الظَّهِيرِيَّةِ.

وَأَمَّا الطَّرِيقُ الْخَاصُّ بَيْنَ قَوْمٍ فِي سِكَّةٍ غَيْرِ نَافِذَةٍ إذَا وَقَعَتْ الْحَاجَةُ إلَى إصْلَاحِهِ مِنْ أَوَّلِهِ إلَى آخِرِهِ فَإِصْلَاحُ أَوَّلِهِ عَلَيْهِمْ بِالْإِجْمَاعِ فَإِذَا بَلَغُوا دَارَ رَجُلٍ مِنْهُمْ هَلْ يُرْفَعُ عَنْهُ مُؤْنَةُ الْإِصْلَاحِ لَا رِوَايَةَ لِهَذِهِ الْمَسْأَلَةِ قَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ فِي شَرْحِهِ حَاكِيًا عَنْ الْفَقِيهِ أَبِي جَعْفَرٍ رَأَيْتُ فِي كُتُبِ بَعْضِ مَشَايِخِنَا أَنَّهُ يُرْفَعُ عَنْهُ بِالِاتِّفَاقِ.

وَأَمَّا إذَا كَانَ النَّهْرُ عَظِيمًا عَلَيْهِ قُرًى يَشْرَبُونَ مِنْهَا وَهِيَ الَّتِي تُدْعَى بِالْفَارِسِيَّةِ (كَامٍ) فَاتَّفَقُوا عَلَى كَرْيِ هَذَا النَّهْرِ فَبَلَغُوا فُوَّهَةَ نَهْرِ قَرْيَةٍ هَلْ يُرْفَعُ عَنْهُمْ مُؤْنَةُ الْكَرْيِ فَلَا رِوَايَةَ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ فِي الْأَصْلِ قَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ ذِكْرُ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ فِي النَّوَادِرِ وَأَنَّهُ يُرْفَعُ عَنْهُمْ مُؤْنَةُ الْكَرْيِ بِالِاتِّفَاقِ وَعَلَى قِيَاسِ النَّهْرِ الْخَاصِّ يَنْبَغِي أَنْ لَا يُرْفَعَ عَنْهُمْ مُؤْنَةُ الْكَرْيِ مَا لَمْ يُجَاوِزْ الْكَرْي أَرَاضِيَ قَرْيَتِهِمْ كَذَا فِي الْمُحِيطِ.

وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

[كِتَابُ الشِّرْبِ وَفِيهِ خَمْسَةُ أَبْوَابٍ]

[الْبَابُ الْأَوَّلُ فِي تَفْسِير الشُّرْب وَرُكْنِهِ وَشَرْطِ حِلِّهِ وَحُكْمِهِ]

(كِتَابُ الشِّرْبِ)

(وَفِيهِ خَمْسَةُ أَبْوَابٍ) (الْبَابُ الْأَوَّلُ فِي تَفْسِيرِهِ وَرُكْنِهِ وَشَرْطِ حِلِّهِ وَحُكْمِهِ) أَمَّا تَفْسِيرُهُ شَرْعًا فَالنَّصِيبُ مِنْ الْمَاءِ لِلْأَرَاضِيِ لَا لِغَيْرِهَا وَأَمَّا رُكْنُهُ فَالْمَاءُ لِأَنَّ الشِّرْبَ يَقُومُ بِهِ وَأَمَّا شَرْطُ حِلِّهِ أَنْ يَكُونَ ذَا حَظٍّ مِنْ الشِّرْبِ وَأَمَّا حُكْمُهُ فَالْإِرْوَاءُ لِأَنَّ حُكْمَ الشَّيْءِ مَا يُفْعَلُ لِأَجْلِهِ وَإِنَّمَا تَشْرَبُ الْأَرْضُ لِتُرْوَى كَذَا فِي مُحِيطِ السَّرَخْسِيِّ.

الْمِيَاهُ أَنْوَاعٌ

الْأَوَّلُ مَاءُ الْبَحْرِ وَهُوَ عَامٌّ لِجَمِيعِ الْخَلْقِ الِانْتِفَاعُ بِهِ بِالشَّفَةِ وَسَقْيُ الْأَرْضِ وَشَقُّ الْأَنْهَارِ حَتَّى إنَّ مَنْ أَرَادَ أَنْ يَكْرِيَ نَهْرًا مِنْهَا إلَى أَرْضِهِ لَمْ يُمْنَعْ مِنْ ذَلِكَ وَالِانْتِفَاعُ بِمَاءِ الْبَحْرِ كَالِانْتِفَاعِ بِالشَّمْسِ وَالْقَمَرِ وَالْهَوَاءِ فَلَا يُمْنَعُ مِنْ الِانْتِفَاعِ بِهِ عَلَى أَيِّ وَجْهٍ شَاءَ.

وَالثَّانِي مَاءُ الْأَوْدِيَةِ الْعِظَامِ كَجَيْحُونَ وَسَيْحُونُ وَدِجْلَةَ وَالْفُرَاتِ وَالنِّيلِ لِلنَّاسِ فِيهَا حَقُّ الشَّفَةِ عَلَى الْإِطْلَاقِ وَحَقُّ سَقْيِ الْأَرْضِ بِأَنْ أَحْيَا

طور بواسطة نورين ميديا © 2015