(خِلَافُ عَوْدِ فِسْقِ مَنْ لَا بَذَّرَا) أَيْ مَنْ لَيْسَ مُبَذِّرًا فِي مَالِهِ بَعْدَ بُلُوغِهِ رَشِيدًا فَلَا يُعَادُ بِهِ الْحَجْرُ؛ لِأَنَّ الْأَوَّلِينَ لَمْ يَحْجُرُوا عَلَى الْفَسَقَةِ وَيُخَالِفُ اسْتِدَامَتُهُ بِالْفِسْقِ الْمُقْتَرِنِ بِالْبُلُوغِ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ ثَمَّ بَقَاؤُهُ وَهُنَا ثَبَتَ الْإِطْلَاقُ، وَالْأَصْلُ بَقَاؤُهُ وَخَرَجَ بِقَوْلِهِ مِنْ زِيَادَتِهِ: " مَنْ لَا بَذَّرَا ": الْفَاسِقُ الْمُبَذِّرُ فَيُعِيدُ الْقَاضِي عَلَيْهِ الْحَجْرَ لِتَحَقُّقِ تَضْيِيعِ الْمَالِ وَهَذَا مَعْلُومٌ مِمَّا قَبْلَهُ

(وَطَارِئُ التَّبْذِيرِ بَعْدَ أَنْ رَشَدْ فَلْيَلِهِ الْحَاكِمُ لَا أَبٌ وَجَدْ) ؛ لِأَنَّهُ الَّذِي يُعِيدُ الْحَجْرَ عَلَيْهِ بِذَلِكَ (وَطَارِئُ الْجُنُونِ لَا يَلِيه ذُو الْحُكْمِ) أَيْ الْحَاكِمُ (بَلْ) الْوِلَايَةُ عَلَيْهِ (لِلْأَبِ، أَوْ أَبِيهِ) كَمَا فِي حَالِ الصِّغَرِ.

وَالْفَرْقُ أَنَّ الْجُنُونَ يَعْرِفُهُ كُلُّ أَحَدٍ فَلَا يَحْتَاجُ إلَى نَظَرِ الْحَاكِمِ بِخِلَافِ التَّبْذِيرِ، وَسَكَتُوا عَنْ الْوَصِيِّ فَيُحْتَمَلُ أَنَّهُ كَالْأَبِ، وَالْجَدِّ وَيُحْتَمَلُ وَهُوَ الظَّاهِرُ أَنْ لَا تَعُودَ إلَيْهِ الْوِلَايَةُ (تَتِمَّةٌ) لَا بُدَّ فِي مَعْرِفَةِ رُشْدِ الصَّبِيِّ مِنْ اخْتِبَارِهِ لِيُعْرَفَ حَالُهُ لِآيَةِ {وَابْتَلُوا الْيَتَامَى} [النساء: 6] أَيْ وَاخْتَبِرُوهُمْ وَذَلِكَ فِي الدِّينِ، وَالْمَالِ أَمَّا فِي الدِّينِ فَبِمُشَاهَدَةِ حَالِهِ فِي الْعِبَادَاتِ بِقِيَامِهِ بِالْوَاجِبَاتِ وَاجْتِنَابِهِ الْمَحْظُورَاتِ، وَالشُّبُهَاتِ، وَأَمَّا فِي الْمَالِ فَيَخْتَلِفُ بِالْمَرَاتِبِ فَيُخْتَبَرُ وَلَدُ التَّاجِرِ بِالْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ وَالْمُمَاكَسَةِ فِيهِمَا وَوَلَدُ الزُّرَّاعِ بِالزِّرَاعَةِ، وَالنَّفَقَةِ عَلَى الْقِوَامِ بِهَا، وَالْمُحْتَرِفُ بِمَا يَتَعَلَّقُ بِحِرْفَتِهِ، وَالْمَرْأَةُ بِمَا تَتَعَلَّقُ بِالْغَزْلِ، وَالْقُطْنِ وَصَوْنِ الْأَطْعِمَةِ عَنْ الْهِرَّةِ، وَالْفَأْرَةِ وَنَحْوِهِمَا بِحَسَبِ الْعَادَةِ، وَالْخُنْثَى بِمَا تُخْتَبَرُ بِهِ الذُّكُورُ، وَالْإِنَاثُ جَمِيعًا وَيُشْتَرَطُ تَكَرُّرُ الِاخْتِبَارِ مَرَّتَيْنِ، أَوْ أَكْثَرَ بِحَيْثُ يُفِيدُ غَلَبَةَ الظَّنِّ بِرُشْدِهِ

وَوَقْتُهُ قَبْلَ الْبُلُوغِ فَلَا يَصِحُّ عَقْدُهُ بَلْ يُمْتَحَنُ فِي الْمُمَاكَسَةِ فَإِذَا أَرَادَ الْعَقْدَ عَقَدَ الْوَلِيُّ وَلِلْوَلِيِّ أَنْ يُعْطِيَهُ شَيْئًا مِنْ الْمَالِ، وَلَوْ تَلِفَ فِي يَدِهِ لَمْ يَضْمَنْهُ.

قَالَ النَّوَوِيُّ: وَالصَّبِيُّ الْكَافِرُ كَالْمُسْلِمِ هُنَا فَيُعْتَبَرُ فِي صَلَاحِ دِينِهِ وَمَالِهِ مَا هُوَ صَلَاحٌ عِنْدَهُمْ

[باب الصلح]

(بَابُ الصُّلْحِ) هُوَ لُغَةً قَطْعُ النِّزَاعِ وَشَرْعًا عَقْدٌ يَحْصُلُ بِهِ ذَلِكَ. هُوَ أَنْوَاعٌ: صُلْحٌ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ وَالْكُفَّارِ، وَبَيْنَ الْإِمَامِ وَالْبُغَاةِ، وَبَيْنَ الزَّوْجَيْنِ عِنْدَ الشِّقَاقِ وَصُلْحٌ فِي الْمُعَامَلَةِ وَهُوَ مَقْصُودُ الْبَابِ، وَالْأَصْلُ فِي الصُّلْحِ قَبْلَ الْإِجْمَاعِ قَوْله تَعَالَى {وَالصُّلْحُ خَيْرٌ} [النساء: 128] وَخَبَرُ «الصُّلْحُ جَائِزٌ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ إلَّا صُلْحًا أَحَلَّ حَرَامًا أَوْ حَرَّمَ حَلَالًا» رَوَاهُ ابْنُ حِبَّانَ وَصَحَّحَهُ، وَالْكُفَّارُ فِي ذَلِكَ كَالْمُسْلِمِينَ وَإِنَّمَا خَصَّهُمْ بِالذِّكْرِ لِانْقِيَادِهِمْ إلَى الْأَحْكَامِ غَالِبًا فَالصُّلْحُ الَّذِي يُحَلِّلُ الْحَرَامَ كَأَنْ يُصَالِحَ عَلَى خَمْرٍ، أَوْ نَحْوِهِ وَاَلَّذِي يُحَرِّمُ الْحَلَالَ كَأَنْ يُصَالِحَ عَلَى أَنْ لَا يَتَصَرَّفَ فِي الْمُصَالَحِ بِهِ وَلَفْظُهُ يَتَعَدَّى لِلْمَتْرُوكِ بِمِنْ وَعَنْ وَلِلْمَأْخُوذِ بِعَلَى، وَالْبَاءِ وَقَدْ اسْتَعْمَلَ النَّاظِمُ الْجَمِيعَ فِي كَلَامِهِ فَقَالَ: (الصُّلْحُ عَمَّا يَدَّعِي) بِهِ عَيْنًا، أَوْ دَيْنًا (عَلَى

ـــــــــــــــــــــــــــــSقَوْلُهُ: وَطَارِئُ التَّبْذِيرِ إلَخْ) (فَرْعٌ) طَرَأَ تَبْذِيرُهُ ثَبَتَتْ الْوِلَايَةُ لِلْقَاضِي فَلَوْ جُنَّ مُبَذِّرًا فَهَلْ تَسْتَمِرُّ وِلَايَةُ الْقَاضِي؛ لِأَنَّ وِلَايَتَهُ ثَبَتَتْ بِالتَّبْذِيرِ فَتُسْتَصْحَبُ، أَوْ تَنْتَقِلُ الْوِلَايَةُ لِلْأَبِ، أَوْ الْجَدِّ؛ لِأَنَّهُ الْوَلِيُّ لِلْمَجْنُونِ، أَوْ ثَبَتَتْ لَهُمَا، لِلْقَاضِي لِلتَّبْذِيرِ، وَلِلْأَبِ أَوْ الْجَدِّ لِلْجُنُونِ، فَلِكُلٍّ مِنْهُمَا التَّصَرُّفُ فَإِنْ تَصَرَّفَا مُرَتَّبًا فِي شَيْءٍ وَاحِدٍ نَفَذَ تَصَرُّفُ السَّابِقِ، أَوْ تَصَرَّفَا مَعًا كَذَلِكَ بَطَلَ، فِيهِ نَظَرٌ.

فَإِنْ قُلْنَا تَنْتَقِلُ لِلْأَبِ، أَوْ الْجَدِّ وَزَالَ الْجُنُونُ وَاسْتَمَرَّ التَّبْذِيرُ فَهَلْ تَعُودُ الْوِلَايَةُ لِلْقَاضِي، أَوْ تَسْتَمِرُّ لِلْأَبِ أَوْ الْجَدِّ بِالِاسْتِصْحَابِ؟ فِيهِ نَظَرٌ

(بَابُ الصُّلْحِ)

(قَوْلُهُ: وَلِلْمَأْخُوذِ بِعَلَى، وَالْبَاءِ) أَيْ غَالِبًا (قَوْلُهُ: عَمَّا يَدَّعِي عَلَى سِوَى مَا يَدَّعِي) هَذَا شَامِلٌ لِلصُّلْحِ مِنْ دَيْنٍ عَلَى عَيْنٍ، أَوْ دَيْنٍ فَهُوَ صَحِيحٌ قَالَ: فِي الْمِنْهَاجِ فَإِنْ تَوَافَقَا فِي عِلَّةِ الرِّبَا بِأَنْ صَالَحَ عَنْ ذَهَبٍ بِفِضَّةٍ اُشْتُرِطَ قَبْضُ الْعِوَضِ فِي الْمَجْلِسِ أَيْ حَذَرًا مِنْ الرِّبَا وَإِلَّا أَيْ وَأَنْ لَا يَتَوَافَقَا فِيهِ كَالصُّلْحِ عَنْ ذَهَبٍ بِبُرٍّ فَإِنْ كَانَ الْعِوَضُ عَيْنًا لَمْ يُشْتَرَطْ قَبْضُهُ فِي الْمَجْلِسِ فِي الْأَصَحِّ، أَوْ دَيْنًا اُشْتُرِطَ تَعْيِينُهُ فِي الْمَجْلِسِ وَفِي قَبْضِهِ الْوَجْهَانِ أَيْ وَأَصَحُّهُمَا عَدَمُ الِاشْتِرَاطِ اهـ

ـــــــــــــــــــــــــــــQالشَّارِحُ

وَلِذَا دَخَلَتْ الْفَاءُ فِي الْخَبَرِ لِشِبْهِ الشَّرْطِ (قَوْلُهُ: خِلَافُ عَوْدِ فِسْقِ مَنْ لَا بَذَّرَا إلَخْ) اعْلَمْ أَنَّ الرُّشْدَ لَا يَتَحَقَّقُ إلَّا بَعْدَ مُدَّةٍ مِنْ الْبُلُوغِ يَظْهَرُ فِيهَا رُشْدُهُ عُرْفًا كَمَا قَالَهُ ع ش فَإِذَا ارْتَكَبَ فِي هَذِهِ الْمُدَّةِ كَبِيرَةً، أَوْ أَصَرَّ عَلَى صَغِيرَةٍ صَارَ بِالْفِسْقِ مَحْجُورًا عَلَيْهِ أَيْ تَبَيَّنَ بَقَاءُ الْحَجْرِ عَلَيْهِ وَحِينَئِذٍ فَالْمُرَادُ بِالْفِسْقِ الْعَائِدِ هُنَا هُوَ الْعَائِدُ بَعْدَ تِلْكَ الْمُدَّةِ وَبِمَا ذَكَرْنَاهُ يَنْدَفِعُ قَوْلُ الرَّشِيدِيّ أَنَّ كَلَامَهُمْ يَقْتَضِي أَنَّهُ لَا يَتَحَقَّقُ السَّفَهُ إلَّا فِيمَنْ أَتَى بِالْفِسْقِ مُقَارِنًا لِلْبُلُوغِ وَحِينَئِذٍ فَالْبُلُوغُ عَلَى السَّفَهِ فِي غَايَةِ النُّدُورِ تَأَمَّلْ

(قَوْلُهُ: وَطَارِئُ التَّبْذِيرِ بَعْدَ أَنْ رَشَدْ) كَلَامُ الْعِرَاقِيِّ يُشِيرُ إلَى أَنَّ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ هِيَ بِعَيْنِهَا قَوْلُهُ: وَعَائِدُ التَّبْذِيرِ وَإِنَّمَا ذَكَرَهَا لِقَوْلِهِ: فَلْيَلِهِ. إلَخْ (قَوْلُهُ: يَضْمَنُهُ) مَا لَمْ يَكُنْ تَلَفُهُ بِتَقْصِيرِ الْوَلِيِّ بِتَرْكِ الْمُرَاقَبَةِ الْوَاجِبَةِ عَلَيْهِ. اهـ. ع ش مُغْنِي

[بَابُ الصُّلْحِ]

(قَوْلُهُ: قَطْعُ النِّزَاعِ) فَالْمَعْنَى اللُّغَوِيُّ مُبَايِنٌ لِلْمَعْنَى الشَّرْعِيِّ؛ لِأَنَّهُ نَفْسُ الْعَقْدِ فَلَيْسَ دَاخِلًا تَحْتَ الْمَعْنَى اللُّغَوِيِّ وَإِنْ كَانَ الْمَعْنَى اللُّغَوِيُّ أَعَمَّ تَحَقُّقًا (قَوْلُهُ: وَبَيْنَ الْإِمَامِ إلَخْ) خَصَّهُ؛ لِأَنَّ الْبُغَاةَ مُخَالِفُوهُ فَلِذَا لَمْ يَقُلْ بَيْنَ أَهْلِ الْعَدْلِ وَالْبُغَاةِ. اهـ. شَوْبَرِيُّ عَلَى الْمَنْهَجِ (قَوْلُهُ: وَبَيْنَ الزَّوْجَيْنِ عِنْدَ الشِّقَاقِ) فِيهِ أَنَّ الصُّلْحَ الْجَارِي بَيْنَهُمَا لَا عَقْدَ فِيهِ إلَّا أَنْ يَكُونَ مَرْجِعُ الضَّمِيرِ الْأَعَمَّ مِنْ الشَّرْعِيِّ كَذَا بِهَامِشِ الشَّرْحِ مَعَ زِيَادَةٍ مِنْ غَيْرِهِ (قَوْلُهُ: وَالْأَصْلُ فِي الصُّلْحِ) أَيْ

طور بواسطة نورين ميديا © 2015