فقوله ((تئس)) هو العروض، وقوله ((كا)) هو الصضرب، وأشار إلى هذا الشاهد بقوله ((لا تبتئس)) . وهذا الضرب الأبتر لهذه العروض الثانية مختلفٌ فيه، فحكاه بعضهم عن خلف الأحور، وحكاه بعضهم عن الخليل. ومنهم من لم ينقله عنه، قال بعضهم: والصحيح نقله عنه، لأن الأخفش والزجاج أثبتاه في كتبهما ولم يتعرضا لنفيه عن الخليل، ولو لم يكن قاله لنبّها عليه كما جرت عادتهما. قلت: وفي نسبة النقل إلى الخليل بهذه القرينة نظر. والناظم تبع من أثبت هذا الضرب. ويدخل هذا البحر من الزحاف القبض إلا في الجزأين اللذين قبل الضربين الأبترين، وهما الضرب الرابع والضرب السادس، فإنه لا يدخلهما عند الخليل، وخالفه الأخفش والزجّاج، واعتلوا للخليل بأن الضربين الأبترين لم يبقيا إلا على هيئة سببٍ خفيفٍ فلا يقبض حينئذ ساكن الجزء الذي قبله لفقدان ما يعتمد عليه. قال الصفاقسي: وهذا الاعتلال لا يستقيم على أصل الخليل لأن الاعتماد عنده على الوتد القبليّ جائز، فلمَ لايجوز أن يحذف لاعتماده على الوتد الذي قبله معه في الجزء. وأما الأخفش فالمشهور عنه دخول القبض فيه، هكذا حكى الزجاج عنه واستحسنه، وحكاه أيضاً النديم، وحكى عنه بعضُ العروضيين التفرقةَ بين الضرب الرابع فيجيزه في تاجزء الذي قبله، وبين الضرب السادس فيمنعه في الجزء السابق له، واعترض بعدم الفارق لأن الوتد البعديّ معتلّ فيهما فإن صلحَ علةً لمنع قبض ما قبله كان المنع فيهما وإلا فالجواز فيهما. وأجاب عنه أبو الحكم بمنع استقلال ما ذكر بالعلّية، بل هو جزء علة والعلة هي المجموع الوكب من ذلك ومن اعتلال بيته بكونه مجزوءاً، وهذا المجموع ليس موجوداً في الضرب الرابع فلم يمتنع قبضُ الجزء الذي قبله. ثم اعترض أبو الحكم على الأخفش بأن الجاري على مذهبه منعَ القبض فيهما لأن الاعتماد عنده لا يكون إلا عاى الوتد البعديّ، وقد اعتلّ بصيرورته على هيئة السبب فلا يقبض حينئذ ماقبله. قال الصفاقسي ولقائل أن يمنع أن اختلال الوتد عنده مانعٌ من الاعتماد، ولِمَ لا يجوز أن يكون المعتبر عنده في الاعتماد كونَ البعديَ وتداً غما في الحال أو في الأصل، ويحملُ مذهبه على هذا جمعاً بين كلاميه. وحكى أبو الحكم عن الخليل أيضاً أنه لا يجيز القبض في الجزء الذي قبل الضرب الخامس، قال: لأنه قد دخله الحذف مع ما فيه من الاعتلال بكونه مجزوءاً. قال الصفاقسي: ويلزم على هذه العلة منع القبض في الجزء الذي قبل عروضه لوجود هذه العلة فيه، ولم أر أحداً حكاه عن الخليل، وقد التزمه بعض المتأخرين. وحكى أيضاً عن بعض العروضيين منع قبض الجزأين اللذين قبل الضرب الثاني والثالث وهما المقصور والمحذوف، واعتراضه بأن الموجب لذلك فيما تقدم مفقودٌ هنا، فلا ينبغي أن يلحق به. وهل القبض في هذا البحر أحسن من التمام لكثرته فيه أو التمام أحسن من القبض لأن الأول تكثر السواكن فيه ولهذا جمعوا فيه بين ساكنين كما تقدمتْ حكايته عن بعضهم؟ فيه خلاف. فبيت القبض:

أفاد فجاد وساد فزاد ... وقاد فذاد وعاد فأفضلْ

أجزاؤه كلها إلا الضرب مقبوضة. وأشار إلى هذا الشاهد بقوله ((أفاد فجاد)) . ويدخل الجزء الأول من البيت في هذا البحر الثَّلم والثّرم. فبيت الثّلم:

لولا خاشٌ أخذت جمالا ... تِبكرٍ ولم أعطه ما عليها

فقوله ((لولا)) أثلم وزنه فعلن بإسكان العين وأشار إلى هذا الشاهد بقوله ((خداش)) : وبيت الثرم:

فلتُ سداداً لمن جاءني ... فأحسنت قولاً وأحسنت رأياً

قوله ((قلت)) أثرم وزنه فعل. وأشار إلى هذا الشاهد بقوله ((وقلت سداد)) . فإن قلت: قد تقدمَ في باب ما أجرى من العلل مجرى الزِّحاف أن العروض الأولى يدخلها الحذف وهو علة لكنه يعامل فيها معاملة الزحاف فلا يكون لازماً بل يدخل في بيتٍ ولا يدخل في آخر وذلك في القصيدة الواحدة، فهلاً أشار بكلمة إلى شاهدٍ لذلك فهذا محله؟ قلتُ: بيتُ الثرم الذي أنشدناه آنفاً وهو قوله:

قلتُ سداداً لمن جاءني000إلخ

طور بواسطة نورين ميديا © 2015