فتلك بثاني الجُزء الأضمارُ متبعا ... بخبنٍ ووقصٍ فادعُ كلاً بما اقَتَضى

أقول: الإشارة بقوله (تلك) عائدة ٌ إلى التغيرات الثلاثة المتقدمة التي هي إسكان المتحرك، وحذف الساكن، وحذف المتحرك.

وقد أسلف الناظم أن التغيير الذي تكلم عليه هو تغيير ثاني السبب، وأن التغييرات ثلاثة أنواع مرتبة على ما مر.

وذكر هنا أن تلك التغييرات تحل ثاني الجزء فتسمى بالإ'ضمار والخبن والوقص، فيلزم من ذلك أن يكون الإضمار عبارةً عن إسكان الثاني المتحرك من الجزء وأن يكون الخبن عبارةً عن حذف الثاني الساكن منه، وأن يكون الوقص عبارة عن حذف الثاني المتحرك مه، وأن هذا الثاني الذي اعتورته التغييرات الثلاثة لابد أن يكون ثاني سبب عملاً بما سبق.

وقوله (فادع كلا بما اقتضى) يعني أني قد أخبرتك أن ثاني الجزء محل لهذه الأمور الثللاثة المذكورة على الولاء: الإضمار والخبن والوقص، فادع كلا منها بما اقتضاه الترتيب السابق من البدء بالخفيف ثم الانتقال إلى ما بعده ثم الانتقال إلى ما بعدهما كما أسلفناه.

والإضمار لغةً مأخوذ من الإضمار الذي هو الإحفاء. تقول: أضمرت في نفسي كذا، أي أخفيته، ولما كانت حركة الحرف تميزه وتظهره وأسقطت كان إسقاطها إخفاء لبعض الحروف، فسمي لذلك إضماراً. ومنه سميت الأسماء العائدة إلى الظاهر ضمائر لأنها تخفى معانيها بالنسبة إليها.

وقيل: هو مأخوذ من قولك أضمرت البعير، إذا جعلته ضامراً مهزولا، وذلك لأن حركة الجزء لما ذهبت وأعبقها السكون ضعف بسبب ذلك فشبه بالضامر المهزول.

والخبن لغةً أن يجمع الرجل ذيل ثوبه من أمامه فيرفعه إلى صدره فيشده هناك على شيء يجعله فيه. ويقال خبن الخياط الثوب، إذا ضم ذيله إليه، فكأن الجزء لما حذف ثانية وانضم بذلك أوله من ثالثه شبه بالثوب إذا خبن.

والوقص لغةً قصر العنق، وهو أيضاً كسرها، ومنه قولهم وقص الرجل، إذا سقط عن دابته فاندقت عنقه. فكأن الجزء لما سقط ثانية المتحرك شبه بما اندقت عنقه. لأن الثاني من الجزء بمنزلة العنق.

واعلم أن من العروضيين من نقل عن الأكثرين أن الوقص دخول الخبن على الإضمار، وأن الأقلين هم القائلون بما قاله الناظم من أنه حذف الثاني المتحرك. ورجح أبو الحكم الأول بأنه لو كان المتحرك هو المحذوف منه ابتداء لجاز في متفاعلن الخبل، إذ لا مانع حينئذ منه، ولا كذلك على مذهب الجمهور لقيام المانع، وهو اجتماع ثلاث علل: الخبن والإضمار والطي. ورده الصفاقسي بأنا لا نسلم فقدان المانع حينئذ منه، بل هو قائم لفقدان جزء الخبل، وهو الخبن، لأن الخبل عبارة عن اجتماع الخبن والطي إجماعاً، لا عن اجتماع الوقص والطي، ولا خبن حينئذ في الجزء فلا يدخله الخبل.

على أن اجتماع ثلاث علل عنده ليس بمستنكر، بل الدليل حجةٌ عليه حينئذ، لوجود جزأي الخبل وهما الخبن والطي على القول الذي رجحه. سلمناه إلا أن العلة عندنا في امتناع الخبل في متفاعلن مركبةٌ، وهو ما يؤدي إليه من حذف حرفين أحدهما متحرك، وكراهية اجتماع أربعة متحركات، وحينئذ لا يرد جواز الخبل في البسيط علينا، لانتفاء بعض أجزاء العلة، وهو كون أحد الحرفين المحذوفين متحركاً لأنهما معاً ساكنان.

قال:

ورابعُه لم يبلَ إلا بطيِّه ... أي الحذفِ إن يسكُن وإلا فقد نجا

أقول يعني أن الحرف الرابع من الجزء لم يغير من أنواع الزحاف إلا بالطي، فعبر عن ذلك بقوله (لم يبل) على جهة التمثيل. فإذن يكون الطي عبارة عن حذف الساكن الرابع من الجزء. سمي بذلك لأن الحرف الرابع من الجزء السباعي واقع وسطه؛ فإذا حذف التقت الحروف التي قبله بالحروف التي بعده فأشبه الثوب الذي يطوي من وسطه.

وقوله (وإلا فقد نجا) أي وإلا يسكن الحرف الرابع بأن كل متحركاً فإنه ينجو من الزحاف، كما تقرر تغيير ثاني السبب، ورابع الجزء إذا كان متحركاً لا يكون ثاني سبب، لأنه إما أن يكون حينئذ أول سبب أو ثاني وتد وكلاهما ليس محلا للزحاف.

قال:

وعصب وقبض ثم عقل بخامس ... وكف سقوط السابع الساكن انقضى

أقول: يدخل في خامس الجزء مع كونه ثاني سبب تغييرات ثلاثة، وهي العصب والقبض والعقل. وقضية الجريان على الترتيب الذي أفاده الناظم أن يكون العصب إسكان الخامس المتحرك، والقبض حذف الخامس الساكن والعقل حذف الخامس المتحرك.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015