فيالكض بيتاً وافرَ الُحسن كاملاً ... دوائرهُ أمست تدورُ على قُطبِ

قال:

الألقاب والأبيات

أقول: جعل الناظم الأسماء التي تطلق على الأبيات مما سيذكره ألقاباً لها كأنها عنده من قبيل أقول: جعل الناظم الأسماء التي تطلق على الأبيات مما سيذكره ألقاباً لها كأنها عنده من قبيل الأعلام التي تشعر بمدح، كالتام والوافي، أو بذم كالمنهوك، وهو محل تأمل. قال:

إذا استكمل الأجزاء بيت كحشوه ... عروض وضرب تم أو خولفت وفا

اقول: يعني أن البيت إذا كان مستكملاً للأجزاء الواقعة في دائرته فهو على ضربين، أحدهما أن يكون عروضه وضربه مماثلين لحشوه في الأحكام التي تلحقه، فيجوز فيهما ما جاز فيه، ويمتنع فيهما ما امتنع فيه، فهذا يسمى التام.

الثاني: أن يكون عروضه وضربه مخالفين لحشوه بأن يعرض لهما مالا يجوز عروضه للحشو، فهذا يسمى الوافي.

فإن قلت: قوله (خولفت) على ماذا هو معطوف؟، قلت: على قوله (كحشوه عروض وضرب) .

فإن قلت يلزم تخالف الجملتين بالاسمية والفعلية، إذ الأولى اسمية والثانية فعلية، قلت لا مانع من جعل الأولى فعلية أيضاً، لأن المرفوع بعد الظرف المعتمد يجوز كونه فاعلاً بالفعل الذي يتعلق به الظرف عند جماعة، لا بنفس الظرف، وعليه فهي فعلية؛ ولا تخالف بين الجملتين، ولو سلم أنها اسمية فليس مثل هذا التخالف بممتنع على المختار عند النحويين، وهو المفهوم من قولهم في باب الاشتغال في مثل (قام زيد وعمراً أكرمت) أن نصب (عمراً) أرجح لأن تناسب الجملتين المتعاطفتين أولى من تخالفهما.

فإن قلت: الجملة المعطوف عليها صفة لبيت فيلزم أن تكون المعطوفة كذلك، فيلزم وجود الرابطة بينها وبين الموصوف وهو (بيت) ، ولا رابط. قلت: المعنى أو خولفت أجزاء حشوه، فالضمير النائب عن الفاعل عائد على الأجزاء المضافة إلى الحشو المضاف إلى ضمير البيت، فالربط حاصل بذلك، كما قاله الكسائي وتبعه ابن مالك عليه في قوله تعالى (والذين يتوفون منكم ويذرون أزواجاً يتربص) ، وذلك أنهما قالا: الأصل يتربص أزواجهم، ثم جيء بالضمير مكان الأزواج لتقدم ذكرهن، فامتنع ذكر الضمير لأن النون لا تضاف لكونها ضميراً، وحصل الربط بالضمير القائم مقام الظاهر المضاف للضمير، فانقل ذلك إلى ما نحن فيه، وإن كان الأكثرون لا يقولون به.

فإن قلت: لم لا تجعل الجملة الفعلية وهي قوله (خولفت) معطوفة على الفعلية من قوله (إذا استكمل الأجزاء بيت) وتسلم من ارتكاب هذا الوجه المؤدي إلى مخالفة الأكثرين؟ قلت: لما يلزم عليه من الفساد، وذلك لأن استكمال البيت لأجزاء الدائرة أمر لابد منه في الوفاء والتمام، فإذا جعلت قوله (خولفت) معطوفاً على قوله: استكمل الأجزاء بيت كان قسيماً له، فيلزم عدم الاستكمال مع الوفاء، وهو باطل لما قلناه، فتأمل، قال:

بزهرٍهُما وازدادَ سطحكَ جايد ... أخيرُهما فالفرقُ بينهما انجلَى

أقول: اعلم أن الناظم رحمه الله جرى على الاصطلاح المعهود في حساب الجمل تارةً وخالفه أخرى، فرمز بالألف للأول، وبالباء للثاني، وبالجيم للثالث، إلى أن رمز بالياء للعاشر، وقد يرمز بمجموع العدد، فيرمز بالهاء للخمسة لا للخامس، وبالجيم للثلاثة لا للثالث.

ولا يخفى أن البحور التي تكلم عليها الناظم هي البحور المستعملة عند الخليل، وهي خمسة عشر بحراً، فبالناظم ضرورة إلى أن يرمز لها، فرمز بما تقدم من الحروف العشرة جارياً على العرف، وبقي عليه خمسة فرمز للحادي عشر بالكاف، وللثاني عشر باللام، وللثالث عشر بالميم، وللرابع عشر بالنون، وللخامس عشر بالسين، فخالف الاصطلاح إيثاراً للاختصار، وذلك لأنه لو لم يفعل ذلك وتوقف مع المصطلح المشهور للزم أن يرمز للحادي عشر بحرفين، وهما الألف والياء، فترك ذلك إلى ما صنعه لهذا القصد، ووكل الأمر في ذلك إلى توقيف المعلم، وحذق الناظر في كلامه، فإن من تتبع مواقع نظمه في ذلك لم يخف عليه هذا القدر مع أن في رمزه لخصوصية الأول والثاني والثالث إلى آخره مخالفةً لاصطلاح الحساب المذكور، فإن الألف إنما تدل فيه على واحد لا يفيد كونه الأول، والباء للاثنين لا للثاني، والجيم للثلاثة لا للثالث، والأمر في ذلك سهل.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015