قَالَ (وَأَشَدُّ الضَّرْبِ التَّعْزِيرُ) لِأَنَّهُ جَرَى التَّخْفِيفُ فِيهِ مِنْ حَيْثُ الْعَدَدُ فَلَا يُخَفَّفُ مِنْ حَيْثُ الْوَصْفُ كَيْ لَا يُؤَدِّيَ إلَى فَوَاتِ الْمَقْصُودِ، وَلِهَذَا لَمْ يُخَفَّفْ مِنْ حَيْثُ التَّفْرِيقُ عَلَى الْأَعْضَاءِ قَالَ (ثُمَّ حَدُّ الزِّنَا) لِأَنَّهُ ثَابِتٌ بِالْكِتَابِ، وَحَدُّ الشُّرْبِ ثَبَتَ بِقَوْلِ الصَّحَابَةِ، وَلِأَنَّهُ أَعْظَمُ جِنَايَةً حَتَّى شُرِعَ فِيهِ الرَّجْمُ (ثُمَّ حَدُّ الشُّرْبِ) لِأَنَّ سَبَبَهُ مُتَيَقَّنٌ بِهِ (ثُمَّ حَدُّ الْقَذْفِ) لِأَنَّ سَبَبَهُ مُحْتَمِلٌ لِاحْتِمَالِ كَوْنِهِ صَادِقًا وَلِأَنَّهُ جَرَى فِيهِ التَّغْلِيظُ مِنْ حَيْثُ رَدُّ الشَّهَادَةِ فَلَا يُغَلَّظُ مِنْ حَيْثُ

ـــــــــــــــــــــــــــــQفِي تَقْدِيرِ الضَّرَبَاتِ فَكَذَلِكَ فِي ضَمِّ الْحَبْسِ إلَى الضَّرْبِ. قَالَ: وَأَشَدُّ الضَّرْبِ التَّعْزِيرُ. قَالَ الْحَاكِمُ فِي الْكَافِي: وَضَرْبُ التَّعْزِيرِ أَشَدُّ مِنْ ضَرْبِ الزَّانِي، وَضَرْبُ الزَّانِي أَشَدُّ مِنْ ضَرْبِ الشَّارِبِ، وَضَرْبُ الشَّارِبِ أَشَدُّ مِنْ ضَرْبِ الْقَاذِفِ، وَضَرْبُ الْقَاذِفِ أَخَفُّ مِنْ جَمِيعِ ذَلِكَ، وَإِنَّمَا كَانَ ضَرْبُ التَّعْزِيرِ أَشَدَّ لِأَنَّهُ نَاقِصُ الْمِقْدَارِ وَهُوَ تَخْفِيفٌ.

(فَلَا يُخَفَّفُ ثَانِيًا فِي وَصْفِهِ كَيْ لَا يُؤَدِّيَ إلَى تَفْوِيتِ الْمَقْصُودِ) وَهُوَ الزَّجْرُ. وَاخْتَلَفَ الْمَشَايِخُ فِي شِدَّتِهِ، قَالَ فِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ: قَالَ بَعْضُهُمْ: هُوَ الْجَمْعُ فِي عُضْوٍ وَاحِدٍ بِجَمْعِ الْأَسْوَاطِ بِعُضْوٍ وَاحِدٍ وَلَا يُفَرَّقُ عَلَى الْأَعْضَاءِ، بِخِلَافِ سَائِرِ الْحُدُودِ.

وَقَالَ بَعْضُهُمْ: لَا بَلْ شِدَّتُهُ فِي الضَّرْبِ لَا فِي الْجَمْعِ، وَيَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ مَا رَوَى أَبُو عُبَيْدَةَ وَغَيْرُهُ أَنَّ رَجُلًا أَقْسَمَ عَلَى أُمِّ سَلَمَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - فَضَرَبَهُ عُمَرُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - ثَلَاثِينَ سَوْطًا كُلُّهَا يُبْضِعُ وَيَحْدُرُ: أَيْ يَشُقُّ وَيُوَرِّمُ. وَمَعْلُومٌ أَنَّ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - ضَرَبَهُ بِطَرِيقِ التَّعْزِيرِ، وَلَعَلَّ الْمُصَنِّفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - اخْتَارَهُ يُشِيرُ إلَيْهِ قَوْلُهُ وَلِهَذَا لَمْ يُخَفَّفْ مِنْ حَيْثُ التَّفْرِيقُ عَلَى الْأَعْضَاءِ، فَلَوْ كَانَ الشِّدَّةُ عِبَارَةً عَنْ عَدَمِ التَّفْرِيقِ لَزِمَ تَوْضِيحُ الشَّيْءِ بِنَفْسِهِ. وَقَوْلُهُ (ثُمَّ حَدُّ الزِّنَا) ظَاهِرٌ.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015