وقد ألزمت المدنية الإنسان زيادة الضبط والدقة في قياس الزمن وتسجيله. وادت الفصول المتعاقبة، والتي يحددها وقت بلوغ الشمس اقصى مداها شمالا، وأقصاه جنوبي خط الاستواء، وادت إلى تكوين دوائر درويد عز وجلRUIعز وجل CIRCLصلى الله عليه وسلمS وتشييد الاهرام، وغير ذلك من علائم الوقت في نواحي العالم. وكان ظهور الشمس أو ظلها فوق هذه الأشياء عند علامة معينة – كانت في العادة علامة خفية – ينبئ الكاهن كم يوما يعد حتى يحين وقت الزرع أو يجيء وقت فيضان النيل. أما الآن فان التقاويم غير البالغة الكمال، تعلق في كل بيت، وبها نميز الأيام.

وفضلا عن ذلك اصبحنا نسجل الساعات والدقائق والثواني، والجزء من الألف من الثانية. وكلما قربنا من ضبط الوقت تماما، زادت حاجتنا إلى الاستزادة من معرفتنا بالكيميا، والطبيعة، والمعادن، ودرجة الحرارة، والفلك والرياضة، وخصوصا الرياضة العالية لاندحة عنها. ونحن نحسب جدول زمن الكواكب والاقما والمذنبات، ونعتمد على معرفتنا بالوقت في تنبؤنا بحركاتها، وتحديد الساعة والدقيقة لكسوف الشمس وخسوف القمر، في الماضي والحاضر. ونحن نعرف سرعة الضوء بالثانية، ونسجل طبائع الاجرام السماوية، التي تصحح نفسها بالتتابع لدرجة الدقة الابدية كما يبدو.

ان التطور قد وصل بالكائنات الحية إلى ما يقرب من المواءمة مع البيئة الموجودة، ولكنه من الناحية النظرية على الأقل لا يمكنه ان يمضي أبعد من ذلك، وان تقدم الإنسان فيما وراء ضروريات الحياة إلى ادراك الوقت ليخرج به عن الحدود التي يبدو ان التطور الطبيعي قد أقامها على حدة.

والإنسان إذ يقترب من الادراك الكامل للزمن، يقترب في الوقت نفسه من ادراك بعض قوانين الكون الابدية، ومن معرفة الخالق سبحانه وتعالى.

وما لم توجد حياة عقلية اخرى في بعض نواحي الكون، فان الإنسان ينفرد وحده بمعرفة الزمن، وسيطرته على الزمن تقترب به من شيء اعظم من المادة. فمن أين تأتي هذه القفزة العظيمة التي يقفزها الإنسان بعيدا عن الفوضى، وعن جميع تركيبات المادة وعن كل الكائنات الحية الاخرى؟ انها لابد ان تأتي من شيء أسمى من المصادفة.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015