ولماذا لم تسيطر بعوضة الملاريا على العالم، إلى درجة كان أجدادنا يموتون معها، أو يكسبون مناعة منها؟ ومثل ذلك أيضاً يمكن ان يقال عن بعوضة الحمى الصفراء التي تقدمت شمالا في أحد الفصول حتى وصلت إلى نيويورك. كذلك البعوض كثير في المنطقة المتجمدة. ولماذا لم تتطور ذبابة (تسي تسي) حتى تستطيع ان تعيش ايضا في غير مناطقها الحارة، وتمحو الجنس البشري من الوجود؟ يكفي ان يذكر الإنسان الطاعون والأوبئة والجراثيم الفاتكة التي لم تكن له منها وقاء حتى الامس القريب، وان يذكر كذلك ما كان له من جهل تام بقواعد الوقاية الصحية، ليعلم ان بقاء الجنس البشري رغم ذلك يدعو حقا إلى الدهشة!

ان الاسماك والحشرات تبقى على قيد الحياة إذ يسري عليها قانون المصادفة، فان آلاف البيضات التي تضعها يفر بعضها من الموت الذي يكمن في كل مكان لمن لا وقاية له.

وهذه الحقائق الغريبة التي للطبيعة تستحق الذكر، وان لم تكن بالضرورة ادلة حاسمة على وجود العناية الالهية. ولكن الإنسان قد بقى على قيد الحياة، وكذلك الحيوانات الرخوة، غير ان الإنسان كان أشد احتياجا إلى الترتيبات الوقائية، وقد زود بها‍‍.

ان الحشرات ليست لها رئتان كما للانسان، ولكنها تتنفس عن طريق انابيب، وحين تنمو الحشرات وتكبر، لا تقدر تلك الأنابيت ان تجاريها في نسبة تزايد حجمها. ومن ثم لم توجد قط حشرة أطول من بضع بوصات، ولم يطل جناح حشرة إلا قليلا. وبفضل جهاز تكوين الحشرات وطريقة تنفسها، لم يكن في الامكان وجود حشرة ضخمة. وهذا الحد من نمو الحشرات قد كبح جماحها كلها، ومنعها من السيطرة على العالم. ولولا وجود هذا الضابط الطبيعي، لما أمكن وجود الإنسان على ظهر الأرض. وتصور انسانا فطريا يلاقي زنبورا يضاهي الأسد في ضخامته، أو عنكبا (عنكبوتا) في مثل هذا الحجم.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015