هذه هي خلاصة القصد الرباني. وفيها تفسير للاشتياق الكامن في نفس الانسان، للاتصال بأشياء اعلى من نفسه. وفيها كشف عن اساس حافزه الديني. هذا هو الدين.

والعلم يعترف باشتياق الإنسان إلى أشياء اسمى منه، ويقر ذلك، غير انه لا ينظر نظرة جدية إلى مختلف العقائد والمذاهب، وان يكن يرى فيها طرقا تتجه إلى الله. والذي يراه العلم ويقدره جميع المفكرين، هو ان الاعتقاد العام بوجود الله له قيمة لا تقدر (?) .

ان تقدم الإنسان من الوجهة الخلقية وشعوره بالواجب انما هما اثر من آثار الايمان بالله والاعتقاد بالخلود. وان غزارة التدين لتكشف عن روح الانسان، وترفعه خطوة خطوة، حتى يشعر بالاتصال بالله. وان دعاء الإنسان الغريزي لله بان يكون في عونه، هو أمر طبيعي، وان أبسط صلاة تسمو به إلى مقربة من خالقه.

ان الوقار، والكرم، والنبل، والفضيلة، والالهام، وكل ما يسمى بالصفات الالهية، ولا تنبعث عن الالحاد أو الانكار الذي هو مظهر مدهش من مظاهر الفرد، يضع الإنسان في مكان الله.

وبدون الايمان كانت المدنية تفلس، وكان النظام ينقلب فوضى، وكان كل ضابط وكل كبح يضيع، وكان الشر يسود العالم. فعلينا اذن ان نثبت على اعتقادنا بوجود الله، وعلى محبته، وعلى الاخوة الانسانية، فان ذلك يسمو بنا نحوه تعالى، إذ ننفذ مشيئته كما نعرفها، ونقبل تبعة اعتقادنا باننا بوصفنا خلقه، جديرون بعنايته الالهية.

ان خميرة التقدم الأخلاقي تسير بالإنسان سيرا بطيئا ولكن مؤكدا نحو زيادة الادراك لعلاقاته باخوانه، وقد وضعت مثلا عليا سوف ترتبط بها الانسانية في النهاية.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015