العقد المفصل (صفحة 182)

وعلاؤه الآفاق ضقن بعظمها ... وبعظم مفخره البسيطة أضيق

فالناس في جدواه شخص واحد ... وبمدحه الدنيا جميعاً منطق

ونداه لو سكتوا لنوّه باسمه ... إنّ الندى لهو الخطيب المفلق

وإذا ترادفت المحول تشعّبت ... منه غمائم للبلاد تطبّق

وغدا يرفُّ على البريّة ظلّها ... ويريق النعماء فيهم تغدق

حتّى تمجّ الأرض ماء نعيمها ... ريّاً وبالعشب الثرى يتشقّق

فتبيت حالية بوشي ربيعها ... ولساكنيها العيش غضّاً يونق

مننٌ تفوت الواصفين وإنّما ... وصف الأنام ببعضها يستغرق

وإذا انتمى فلدوحة الشرف التي ... تنمو على مرّ الزمان وتورق

وشجت قديماً ساريات عروقها ... حيث المجرّة نهرها يتدفّق

فأصولها فوق السما وفروعها ... شرفاً إلى ما لا نهاية تبسق

إلى أن قلت في قدوم الهادي والحسين من الحج:

قدماً معاً والسعد طائر يمنه ... غردٌ يرفُّ عليهما ويرنق

ولئن تشوّقت البلاد إليهما ... فإلى لقائهما المعالي أشوق

لا مسَّ أيدي الراميات إلى منىً ... نصبٌ ولا منها عقرن الأسوق

فلكعبة البيت الحرام بكعبتي ... أمل العفاة سرت خفائف تعنق

وبثقل أجرهما ثقيلات الخطا ... صدرت كأنّ لها الرواسي أوسق

المحرمَين وإن أحلاّ دائماً ... زهداً بما تهوى النفوس وتعشق

فكأنّ كلّ مقام احتلاّ به ... حرمٌ وحجٌّ كلُّ يوم يخلق

والركن يشهد أنّ كفّهما التي ... استلمته لا إثمٌ بها متعلّق

نحرا غداة النفر هدياً قال لم ... يقبل سواي لو أنّ هدياً ينطق

وسرين من حرم الإله جوانحاً ... بهما إلى حرم النبي الأينق

بيت لو البيت استطاع لجائه ... بالركن يسعى سعي من يتملّق

فالدهر فيه محرم فمقصّر ... والفخر فيه طائف فمحلّق

عكفا به يتمسّكان فناشق ... لثم الضريح ولاثم يستنشق

واستقبلا حرم الوصيّ وإنّه ... حرم الإله به الملائك تحدق

وحمىً يجير من السعير لأنّه ... نفحات عفو الله منه تعبّق

فاستشفعا لله فيه ويمّما ... ناد بغير العزّ ليس يروّق

رفعت بأعلا الكرخ منه سرادق ... بعلائها العيّوق لا يتعلّق

جمع الصلاح على التقى أطرافه ... وغدا لواء الفخر فيه يخفق

أوما ترى كأس المسرّة تجتلي ... لعشيرة الشرف الرفيع وتدهق

عقدوا الندي وللوفاء محبّهم ... ينشي القريش مهنّياً وينمق

يا من رباعهم غدت مملوئة ... بالوفد من كلّ الأماكن تطرق

فتحوا لهم باب السماح بهنَّ في ... زمن به باب المكارم مغلق

قد زفَّ فكري من عقائله لكم ... عذراء ليس لغيركم تتشوّق

أضحت بجيب الدهر جونة عنبر ... في نشر ذكركم تضوع وتعبق

جائت كما اقترح السرور وإن يكن ... كثر القصيد فغيرها لا يعشق

وترى الوفا نفس الكريم لأهله ... فرضاً ولو بأدائه هي تزهق

وتمجّه نفس اللئيم ولو لها ... لا زلت بالعسل المصفّى تلعق

وقال عمّنا المهدي مهنّياً للفاضل محمّد الصالح بعرس ولده مصطفى الشرف الواضح آل كبّه:

أتتكومنها الشمس في الوجه تشرق ... ونشر الخزامى في الغلائل يعبق

رشيقة قدٍّ في السهام لحاظها ... حشا صبّها عن قوس حاجب ترشق

ولم تشبه الأغصان قامة قدّها ... وأنّى ومنها قدُّ مية أرشق

وليس التي بالماء يورق غصنها ... كمن هو من ماء الشبيبة مورق

لقد فضحت في عينها جؤذر النقا ... وإن هي في عينيه ترنو وترمق

وهاروت منها قد تعلّم سحره ... فما بالها ما قد تعلّم تسرق

فأعجب بها للمرء تسلب قلبه ... وأضلاعه عن قلبه لا تشقق

فتأخذه منه وأضلاع صدره ... على قلبه مجموعة لا تفرق

تميس وقرطاها قليقان والحشا ... على وفق قرطيها من الشوق يخفق

وما قلقنا إلاّ تمنّت نفوسهم ... مكانهما أكبادهم تتعلّق

وفاحت عليهم للمسرّات نفحة ... عليهم بأنواع المسرّات تعبق

وطبّقت الدنيا سروراً بعرس من ... بغير النهى آباؤه ما تمنطقوا

طور بواسطة نورين ميديا © 2015