العقد المفصل (صفحة 180)

جلا على الطرس من فرائده ... عروس فكرّ زهت فرائدها

خلوقها من شذا حجّاه ومن ... جوهر ألفاظه قلائدها

قد انتظمت بسلك الإيجاز، وانتظم في سلكها الإعجاز، فبرزت تخطر دلالا، وتسحب أبراد البلاغة اختيالا، تجرّ تلك الأذيال، على نثر هو السحر الحلال، قد تنزّلت من سماء ذلك الجلال آياته الباهره، واستغرقت من الصب حواسه الخمس بما أقامه في مقام الذهول فجدير أن يتلى عليه فإذا هم بالساهره، وحيث أنّ الداعي وإن كان ليس ببعيد الغور، يرى الأمر الصادر من تلك الحضرة للفور، بادر إلى الإمتثال، راجياً أن ينظمه القبول في سلك من حظي بالإقبال، عقد الله عزّ ذلك الجناب بناصيته الدهر، ولا برحت تأرج بعبير ثرى تلك الأعتبار مفارق الملوك الغر، ما ضرب الليل رواقه، وحلّ بيد الصبح عن الغزالة نطاقه، وهذا دعاء للبريّة شامل.

فكتب إليّ جواباً أبدع فيه وأغرب في تقريض التخميس والتشطير المذكورين، وجاء في آخره قوله: ثمّ إنّي ورفيع قدرك، وسنيّ فصاحتك، وعَلَيّ بلاغتك قد صرت غريق بحار الحيرة لا أدري كيف أؤدّي شكرك، وبأيّ لسان أصفك فأكافي فضلك، بما تنزّلت له العزم وشددت حيازيم الهمّة ونقلت الأقدام، لأداء هذا المرام، قصر بي ضعف قوى الفكر، وعيّ اللسان، وضيق الجنان، وكبّوا أدهم القلم في هذا الميدان، لعلوّ شرفك الذي لا يبارى، ووفور محاسنك التي لا تجارى، غير أنّ العدول عن ذلك بالكليّة إخلال بالواجبات، لأنّ شكر المحسن من المفروضات، وبناء على أنّ ما لا يدرك كلّه لا يترك جلّه أقول، وليس سواء عالم وجهول: لأشكرنّك شكراً يليق بجنابك، ويفي بإحسانك، ما كرّ الجديدان، وتعاقب الملوان.

فأجبته عن هذه الرسالة، بهذه العجالة وهي: لاطفت الصب جميلة برّك، وتلطّفت بالمغرم المشوق عقيلة نثرك، قد زارت محبّاً رفعها على الأحداق، واجتنى في لثم محاسنا ثمرات الأوراق، ثمّ حلّ عنها النطاق ببنان فكره المتأمّل، ونضى عنها أبرادها الرقاق إلاّ لبسة المتفضّل، فوجدها آخذةً بأطراف النباهة في الفكاهة، ووجد نفسه عن منادمة مثلها على طرف من العي والفهاهة، فترك مفاوضتها المدح، وعدل عن مقارضتها الثناء ولا قدح.

لي العذر كلَّ لسان القلم ... وجفَّ بما فوق طرسي رسم

وعندي ولا عربي سواه ... لسان بهذا المقال انعجم

أكلّفه نعت سعد السعود ... ومن للثريّا به وهو فم

وغاية وصفي له أن أقول ... يا علماً ويقلّ العلم

هو البدر لكنّه للكمال ... وبدر السما بين نقص وتم

من الماثلين بصدر النديّ ... رزان الحلوم رزان القمم

فيامن إذا غاب قال الحضور ... وإن حضر القول كلُّ إرم

مننت ابتداء بدرّ المقال ... ويا بحر بالطبع منك الكرم

نعم حقّ لي فيك شكر الزمان ... فحسن اعتنائك أعلى النعم

ولكن عجزت فمالي يد ... بما يستقلّ بهذي الحكم

هذا والرجالء إسبال ستر التكرّم، والإغضاء على عيوب هذه الألوكة كما هو شأنكم، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

الفصل الثاني في التهنئة

قلت في زواج الممدوح وزواج ابن أخيه الرضا مهنياً بذلك الماجد محمّد الصالح:

حيتك من وجناتها بشقيقها ... وجلت عليك مدامة من ريقها

وتبسّمت لك عن ثناياً لم تشم ... عين كبارقها ولا كعقيقها

وحبتك من رشفاتها بسلافة ... ما فضَّ مرتشفٌ ختام رحيقها

وتعطّفت لك بانة غير الصبا ... لم يحظ قبلك بانعطاف رشيقها

ورنت بأجفان إليك فواتر ... بأخي الهوى الدنيا تضيق لضيقها

يا أهل رامة ما الجمال وما الهوى ... إلاّ لشائق ريمكم ومشوقها

نفحتكم بعبيرها ريح الصبا ... ونحتمكم ديم الحيا ببروقها

فسقت ملاعبكم بأوطف تزدهي ... منه برائق زهره وأنيقها

غيث بسيب ندى محمّد صالح ... تشبيه واكف سحبه ودفوقها

ملك تجلّى في البريّة فخره ... السامي تجلّي الشمس عند شروقها

فإذا تكرّم كان فارج ضيقها ... وإذا تكلّم كان ضيق حلوقها

هو خير من رضع المكارم درّها ... ورعى لها مذ كان فرض حقوقها

من مثله وهو ابنها البرّ الذي ... ما هم لمحة ناظر بعقوقها

طور بواسطة نورين ميديا © 2015