وأمرهم أن يضربوا فوق أعناق المشركين وأن يضربوا منهم كل بنان. ففعلوا كذلك بكيفية لا نعلمها، فهذا فرع عن طبيعة إدراكنا نحن لطبيعة الملائكة، ونحن لا نعلم عنها إلا ما علمنا اللّه .. ولقد وعد اللّه سبحانه أن يلقي الرعب في قلوب الذين كفروا. فكان ذلك، ووعده الحق، ولكنا كذلك لا نعلم كيف كان. فاللّه هو الذي خلق، وهو أعلم بمن خلق، وهو يحول بين المرء وقلبه وهو أقرب إليه من حبل الوريد ..

إن البحث التفصيلي في كيفيات هذه الأفعال كلها ليس من الجد الذي هو طابع هذه العقيدة. وطابع الحركة الواقعية بهذه العقيدة .. ولكن هذه المباحث صارت من مباحث الفرق الإسلامية ومباحث علم الكلام في العصور المتأخرة، عند ما فرغ الناس من الاهتمامات الإيجابية في هذا الدين، وتسلط الترف العقلي على النفوس والعقول .. وإن وقفة أمام الدلالة الهائلة لمعية اللّه سبحانه للملائكة في المعركة، واشتراك الملائكة فيها مع العصبة المؤمنة،لهي أنفع وأجدى ..

وفي نهاية هذا الاستعراض، وفي أعقاب المشهد الهائل الذي تتجلى فيه تلك الحقيقة الهائلة، يجيء التقرير الموضح لما وراء المعركة كلها. ووراء النصر فيها والهزيمة، من قاعدة ودستور لمجرى هذه الأمور: لِكَ بِأَنَّهُمْ شَاقُّوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ. وَمَنْ يُشاقِقِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَإِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقابِ» ..

إنها ليست فلتة عارضة، ولا مصادفة عابرة، أن ينصر اللّه العصبة المؤمنة،وأن يسلط على أعدائها الرعب والملائكة مع العصبة المؤمنة .. إنما ذلك لأنهم شاقوا اللّه ورسوله، فاتخذوا لهم شقا غير شق اللّه ورسوله، وصفا غير صف اللّه ورسوله. ووقفوا موقف الخلف والمشاقة هذا يصدون عن سبيل اللّه، ويحولون دون منهج اللّه للحياة.

ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ شَاقُّوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَمَنْ يُشَاقِقِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَإِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ (13)

ينزل عقابه الشديد على الذين يشاقونه ويشاقون رسوله. وهو قادر على عقابهم وهم أضعف من أن يقفوا لعقابه .. قاعدة وسنة. لا فلتة ولا مصادفة. قاعدة وسنة أنه حيثما انطلقت العصبة المؤمنة في الأرض لتقرير ألوهية اللّه وحده، وإقامة منهج اللّه وحده، ثم وقف منها عدوّ لها موقف المشاقة للّه ورسوله، كان التثبيت والنصر للعصبة المسلمة، وكان

طور بواسطة نورين ميديا © 2015