«ثُمَّ اقْضُوا إِلَيَّ» .. فنفذوا ما اعتزمتم بشأني وما دبرتم، بعد الروية ووزن الأمور كلها والتصميم الذي لا تردد فيه ..

«وَلا تُنْظِرُونِ» .. ولا تمهلوني للأهبة والاستعداد، فكل استعدادي، هو اعتمادي على اللّه وحده دون سواه.

إنه التحدي الصريح المثير، الذي لا يقوله القائل إلا وهو مالئ يديه من قوته، واثق كل الوثوق من عدته، حتى ليغري خصومه بنفسه، ويحرضهم بمثيرات القول على أن يهاجموه! فماذا كان وراء نوح من القوة والعدة؟ وماذا كان معه من قوى الأرض جميعا؟

كان معه الإيمان .. القوة التي تتصاغر أمامها القوى، وتتضاءل أمامها الكثرة، ويعجز أمامها التدبير.

وكان وراءه اللّه الذي لا يدع أولياءه لأولياء الشيطان! إنه الإيمان باللّه وحده ذلك الذي يصل صاحبه بمصدر القوة الكبرى المسيطرة على هذا الكون بما فيه ومن فيه. فليس هذا التحدي غرورا، وليس كذلك تهورا، وليس انتحارا. إنما هو تحدي القوة الحقيقية الكبرى للقوى الهزيلة الفانية التي تتضاءل وتتصاغر أمام أصحاب الإيمان.

وأصحاب الدعوة إلى اللّه لهم أسوة حسنة في رسل اللّه .. وإنه لينبغي لهم أن تمتلئ قلوبهم بالثقة حتى تفيض.

وإن لهم أن يتوكلوا على اللّه وحده في وجه الطاغوت أيا كان! ولن يضرهم الطاغوت إلّا أذى - ابتلاء من اللّه لا عجزا منه سبحانه عن نصرة أوليائه، ولا تركا لهم ليسلمهم إلى أعدائه. ولكنه الابتلاء الذي يمحص القلوب والصفوف. ثم تعود الكرة للمؤمنين. ويحق وعد اللّه لهم بالنصر والتمكين.

واللّه سبحانه يقص قصة عبده نوح وهو يتحدى قوى الطاغوت في زمانه هذا التحدي الواضح الصريح.

فلنمض مع القصة لنرى نهايتها عن قريب، «فَإِنْ تَوَلَّيْتُمْ فَما سَأَلْتُكُمْ مِنْ أَجْرٍ. إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَى اللَّهِ. وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ» .. فإن أعرضتم عني وابتعدتم، فأنتم وشأنكم، فما كنت أسألكم أجرا على الهداية، فينقص أجري بتوليكم: «إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَى اللَّهِ» .. ولن

طور بواسطة نورين ميديا © 2015