والثاني: يجوز، كما يجوز لبس ثوب أصابه نجاسة، ومنهم من فَصَّل، وقال: لا يجوز استعمال النجاسات في البدن، والثوب إلا لضرورة وفي غيرها يجوز إن كانت النجاسة مخففة، وإن كانت مغلظة وهي نجاسة الكلب والخنزير فلا، ونزل النصوص على هذا التفصيل، وهذا أظهر، وبه قال اْبُو بَكْرٍ الفَارِسِي والْقَفَّالُ وأصحابه، والفرق بين استعمالها في البدن والثوب وغيرهما ما ذكره الشافعي -رضي الله عنه- وهو أن على الإنسان تَعَبُّداً في اجتناب النجاسات، بإقامة الصلوات وسائر العبادات، ولا تعبد على الفرس والأداة وغيرها، فلا يمنع من استعمالها فيها، والفرق بين نجاسة الكلب والخنزير، وسائر النجاسات غلظ حكمها، ولذلك لا يجوز الانتفاع بالخنزير في حياته أصلاً وبالكلب أيضاً إلا في أغراض مخصوصة، فأولى أن لا يجوز الانتفاع بهما بعد الموت.

إذا تقرر ذلك فنقول: لا يجوز له لبس جلد الكلب والخنزير في حالة الاختيار، بخلاف الثياب النجسة يجوز لبسها والانتفاع بها في غير الصلاة ونحوها؛ لأن نجاستها عارضة سهلة الإزالة فإن فاجأه قتال ولم يجد سواه، أو خاف على نفسه من حر أو برد كان له أن يلبس جلد الكلب والخنزير، كما له أكل الميتة عند الاضطرار، ولا بأس لو أعلم قوله: (ولا يجوز في حالة الاختيار) بالواو؛ إشارةً إلى الطريقة الطاردة للقولين في وجوه الاستعمال، في جميع النجاسات، وهل يجوز لبس جلد الشاة الميتة وسائر الميتات في حالة الاختيار؟ فيه وجهان بنوهما على أن حكمنا بتحريم لبس جلد الكلب والخنزير لنجاسة العين أم لما خُصَّا به من التغليظ.

وأظهر الوجهين: المنع، ويجوز أن يلبس هذه الجلود فرسه وأداته، والمنع في البدن، وجلد الكلب والخنزير كما لا يستعمل في البدن لا يستعمل في غيره، نعم لو جَلَّلَ كلباً أو خنزيراً بجلد كلب، أو خنزير فهل يجوز ذلك فيه وجهان:

أحدهما: لا، فإنه مستعمل، ولا ضرورة.

وأظهرهما: الجواز؛ لاستوائهما في تغلظ النجاسات، وأما تسميِد الأرض بالزّبل فهو جائز.

قال الإمام: ولم يمنع منه للحاجة الحاقة القريبة من الضرورة، وقد نقله الاثبات عن أصحاب النبي -صلى الله عليه وسلم-، وفي كلام الصّيدلاني ما يقتضي بإثبات خلافه فيه، والله أعلم. وهل يجوز الاستصباح بالزيت النجس؟ فيه قولان:

أحدهما: لا؛ لأن السّراج قد يقرب من الإنسان ويصيب الدخان بدنه وثيابه.

وأظهرهما: نعم؛ لما روي أنه -صلى الله عليه وسلم- "سُئِلَ عَنِ الْفَأْرَةِ تَقَعُ فِي السَّمْنِ، وَالْوَدَكِ

طور بواسطة نورين ميديا © 2015